الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

التوبة من أكل حق أخواته في الميراث

السؤال

كان لجدي قطعتي أرض ؛ أرض تسمى الخمسين مساحتها ٤٨ قيراطا ، وأرض تسمى الدلاله ومساحتها ٦٩ قيراطا ، أرض الخمسين أفضل سعرا من أرض الدلاله تقريبا تساوي الضعف ، أبي له إخوة ، رجلان ، وأربع إناث ، عند توزيع الأرض قام أعمامي بالآتي : أعطوا كل ولد ١٦ قيراطا في أرض الخمسين ، ولم يعطو الإناث ، وفي أرض الدلاله أعطوا البنت ١٢ قيراطا ، وأخذ الولد ٧ قيراطا ، ولم يعترض عليهم أبي ، وعندما كبرنا قلنا لأبي : هذه القسمة لا ترضي الله ، ونريد أن نعيد الزائد عن نصيبنا في هذا الميراث لعماتي ، فما هو مقدار ما نعيده بالقيراط ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا : من أعظم المحرمات التي قد يتهاون بها الكثير من الناس :

الظلم في قسمة المواريث ، وعدم مراعاة العدل الذي شرعه الله ، وقد بين الله تعالى أحكام المواريث ونصيب كل وارث ، ثم توعد من يخالف هذه الأحكام بقوله : (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13-14 .

قال الشوكاني رحمه الله : “والإشارة بقوله (تلك) إلى الأحكام المتقدمة [ومنها أحكام المواريث] ، وسماها حدودا لكونها لا تجوز مجاوزتها ، ولا يحل يعديها” انتهى من “فتح القدير” (2/99) .

ويتأكد التحريم هنا ويزداد إثما لما فيه من اغتصاب الأرض – وهو بمجرده من كبائر الذنوب – ولما فيه من قطيعة الرحم ، وظلم الأخوات .

روى البخاري (3198) ومسلم (1610) واللفظ له عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ).

وينظر جواب السؤال رقم (105529).

وقد أحسنتم بإعانة أبيكم على التوبة ورد الحقوق إلى أصحابها ، وهذا من أحسن المعروف والبر الذي تقدمونه إلى أبيكم ، نسأل الله تعالى أن يتقبل سعيكم ، ويجزيكم عليه خيرا .

ثانيا :

إذا توفي الرجل عن ثلاثة أبناء وأربع بنات ، فإن التركة تقسم على عشرة أجزاء متساوية ، يكون لكل ابن منهما سهمان ، ولكل بنت سهم واحد .

وعلى هذا ، فنصيب الابن من أرض الخمسين 9.6 قيراط.

ونصيب البنت منها 4.8 قيراط .

ونصيب الابن من أرض الدلالة 13.8 قيراط .

ونصيب البنت منها 6.9 قيراط .

وبهذا يتبين أن أباكم أخذ من أرض الخميس 6.4 قيراط أكثر من حقه ، وأعطى لعماتكم مقابلها 6.8 قيراط من أرض الدلالة ، وأنتم تقولون إن هذه ليست قسمة عادلة ، لأن أرض الخميس أفضل سعرا من أرض الدلالة بالضعف تقريبا .

فيكون الطريق للتوبة وتحقيق العدل ورد الحق إلى صاحبه أحد أمرين :

الأول :

أن تأخذوا من عماتكم الثلاثة 6.8 قيراط من أرض الدلالة ، وتعطوهن 6.4 قيراط من أرض الخميس .

وهذا هو الواجب عليكم إذا طالبت العمات بذلك ، لأن حقهن في الأرض نفسها التي تركها أبوهن (جدكم) .

الأمر الثاني :

أن يتم تقويم الأرضين تقويما عادلا ، فينظر : كم يساوي (6,4) قيراطا ، من أرض الخمسين ، وكم تساوي (6,8) قيراطا من أرض البدالة . والفرق بين السعرين : يعطى للعمات، إما نقودا، وإما أرضا.

فإذا افترضنا – مثلا – أن هذا المساحة من أرض الخمسين ، تساوي خسمين ألفا ، والمساحة المذكورة من أرض البدالة ، تساوي ثلاثين ؛ فسوف يكون الفرق بين السعرين : هو عشرين ألفا، توزع بين العمات ، بالتساوي ، أو يأخذهن ما يساوي ذلك أرضا .

ولكن هذا الحل الثاني لا تجبر عليه العمات ، بل لا يجوز إلا برضاهن ، لأنه يكون بيعا منهن لنصيبهن من الأرض ، ولا يجوز إجبار الإنسان على بيع ملكه ، قال الله تعالى : (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ

تَرَاضٍ ) رواه ابن ماجة (2185) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .

ويقسم ما تأخذونه منهن أو تعطونه لهن عليهن الثلاثة ، لأن الحق لهن جميعا ، وليس لواحدة منهن .

ونسال الله تعالى أن يوفق والدكم للتوبة ، وأن يتقبل منكم .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: اللقاء الشهري 17