الثلاثاء 18 جمادى الأولى 1446 - 19 نوفمبر 2024
العربية

هل صح عن الإمام مالك قوله : الله في السماء وعلمه في كل مكان

260857

تاريخ النشر : 03-01-2017

المشاهدات : 54650

السؤال

عن عبدالله بن نافع عن الإمام مالك أنه قال : " الله في السماء وعلمه في كل مكان " هناك من يضعف هذا الأثر لاختلاف علماء الجرح والتعديل في عبدالله بن نافع الصائغ فهل الاثر صحيح؟

ملخص الجواب

وخلاصة الجواب : أن هذا الأثر صحيح الإسناد عن الإمام مالك وإلى هذا ذهب أئمة العلم ، ومن حاول تضعيفه فظاهر تصرفه أنه مدفوع بتعصبه لمذهبه المخالف لعقيدة السلف الصالح في علو الله تعالى على خلقه . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله.

روى عبد الله  ابن الإمام أحمد بن حنبل في كتابه " السنة " (1 / 280) قال : حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ ، نا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ ، قَالَ : كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ: ( الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ . وَيَقُولُ : كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى . وَقَالَ مَالِكٌ: اللَّهُ فِي السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ شَيْءٌ ) ،

وهذا الأثر صحح إسناده جمع من أهل العلم ، وهو دائر في تصانيف أهل السنة ، وتقريراتهم ، وتلقوه بالقبول ، ولم ينكره أحد منهم .

ومن هؤلاء الإمام أحمد فقد رواه مثبتا له ، كما روى ذلك الآجري في كتابه "الشريعة" (3 / 1077) قال :

وَحَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْدَلِيُّ قَالَ : نا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ ، قال : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: ( اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ ، وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ ) فَقُلْتُ: مَنْ أَخْبَرَكَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ سُرَيْجِ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ " انتهى .

وهذا أمر أجمع عليه أهل العلم ، من أهل السنة ، لم يخالف فيه أحد منهم .

وقد حكى ذلك أئمة المالكية ، أنفسهم .

قال الإمام أبو عمر الطلمنكي رحمه الله : " أجمع أهل السنة على أنه تعالى استوى على عرشه على الحقيقة ، لا على المجاز .

ثم ساق بسنده عن مالك قوله: الله في السماء وعلمه في كل مكان .

ثم قال ـ في هذا الكتاب ـ : وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ، ونحو ذلك من القرآن : بأن ذلك علمه ، وأن الله فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء " انتهى . نقله ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية" (142) .

وقال الإمام أبو عمر ابن عبد البر ، بعد روايته ذلك عن مالك ، ورواية أثره الآخر الشهير : " الاستواء معلوم .. " ، قال عن نفاة العلو ، للعلي سبحانه :

" وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ معهم أينما كَانُوا فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّ عُلَمَاءَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ حَمَلْتُ عَنْهُمُ التَّأْوِيلَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ عَلَى الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَمَا خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ " انتهى ، من "التمهيد" (7/138) .

وينظر : "مختصر الصواعق المرسلة" لابن القيم (438) ، وأيضا : "العلو" للحافظ الذهبي .

والذين ضعفوا هذا الأثر من المعاصرين ؛ فإنهم زعموا أن الراوي عبد الله ابن نافع الصائغ ضعيف الحديث ؛ لكن هذا الزعم باطل :

فعبد الله ابن نافع الصائغ خلاصة كلام أهل العلم فيه أنه ثقة وعدل في نفسه ، لكنه ربما يهم إذا حدث من حفظه .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

" عبد الله بن نافع الصائغ، المخزومي مولاهم، أبو محمد، المدني، ثقة صحيح الكتاب ، في حفظه لين " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 326) .

ومن هذا حاله فلا تهدر مروياته إلا حيث احتمل وجود الوهم والغلط ، أما إذا تعضدت روايته وأحاط بها ما يبعد دخول الوهم فيها ، فإن روايته في هذه الحالة تقبل وتصحح .

وهذا هو الواقع في هذا الأثر ؛ حيث احتف به من القرائن ما يشير إلى صحته واستبعاد وجود الغلط فيه :

- فعبد الله ابن نافع الصائغ في هذا الأثر لم يرو ما يحتمل دخول النسيان والوهم فيه ، فلم يرو كلاما طويلا من حفظه ، يقع في مثله الغلط ، أو رأيا اختلف فيه على الإمام مالك ؛ وإنما روى عقيدة مشهورة للإمام مالك في علو الله تعالى على خلقه ، ومثل هذا الروايات يندر فيها السهو ، من راو صحب الإمام مالك ولازمه سنوات طويلة ، حتى اطلع على تفاصيل عقيدته وآرائه الفقهية .

قال ابن سعد في الطبقات الكبرى :

" عبد الله بن نافع الصائغ ، ويكنى أبا محمد ، مولى لبني مخزوم ، وكان قد لزم مالك بن أنس لزوما شديدا ، وكان لا يقدّم عليه أحدا " انتهى من "الطبقات الكبرى" (5 / 438) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

" وقال الآجري عن أبي داود: سمعت أحمد يقول: كان عبد الله بن نافع أعلم الناس برأي مالك وحديثه ، كان يحفظ حديث مالك كله ، ثم دخله بآخره شك .

قال أبو داود: وكان عبد الله عالما بمالك ، وكان صاحب فقه .

قال : وسمعت أحمد بن صالح يقول : كان أعلم الناس بمالك وحديثه " انتهى من "تهذيب التهذيب" (2 / 443) .

وإلى هذا أشار الذهبي في تقويته لهذا الأثر فقال رحمه الله تعالى :

" وروى عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس: " الله في السماء وعلمه في كل مكان ".

هذا حديث ثابت عن مالك رحمه الله ، أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية " عن أبيه ، عن سريج بن النعمان ، عن عبد الله بن نافع ، تلميذ مالك وخصيصه " انتهى. "العرش" (2 / 180 – 181) .

- عبد الله ابن نافع الصائغ في هذا الأثر لم يأت بما يخالف المشهور من عقيدة الإمام مالك وأئمة السلف ؛ فهو لم يشذ ولم يأت بما ينكر . وقد سبق تقرير ابن عبد البر رحمه الله لذلك .

وقال ابن عبد البر أيضا :

" الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات ، وعلمه في كل مكان ، كما قالت الجماعة أهل السنة أهل الفقه والأثر " انتهى من "الاستذكار" (8 / 148) .

وقال ابن القطان المالكي رحمه الله تعالى :

" وأجمعوا أنه تعالى فوق سمواته " انتهى من "الإقناع في مسائل الإجماع" (1 / 44) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب