الحمد لله.
قراءة المعوذتين على حالتين :
الحالة الأولى :
ذكرهما على سبيل الدعاء من غير قصد التلاوة ، ففي هذه الحالة لا بأس بعدم التلفظ بلفظ ( قُلْ ) ، لأنه إنما قصد أن يدعو الله بهذا الدعاء ، ولم يقصد قراءة القرآن .
ونحو ذلك ما ذكره العلماء من أن الجنب لا حرج عليه أن يدعو بأدعية القرآن ، لأنه لم يقصد تلاوة القرآن وإنما قصد الدعاء .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ما معناه: نهيت أن اقرأ القرآن وأنا ساجد فهل هذا النهي يشمل الأدعية الموجودة في القرآن، بمعنى: هل يجوز للمسلم أن يدعو بهذه الأدعية وهو ساجد؟
فأجاب :
"قول النبي عليه الصلاة والسلام: ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم. أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهي أن يقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، لا أنه نهي أن يدعو بالقرآن.
ففرق بين الدعاء بالقرآن وبين قراءة القرآن، فالداعي بالقرآن لم يقصد التلاوة وإنما قصد الدعاء، فلو قال الإنسان في سجوده: ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار لا يقصد بذلك التلاوة لكان هذا جائزاً، ولو قال في سجوده: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب يريد الدعاء لا التلاوة، لم يكن قارئاً للقرآن في السجود، ولهذا كان الجنب لا يقرأ القرآن، لكن لو دعا بدعاءٍ من القرآن كان ذلك جائزا، فلو قال الجنب: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب، لا يريد القراءة وإنما يريد الدعاء فلا حرج عليه.
فيجب أن نعرف الفرق بين قراءة القرآن التي قصد بها التلاوة، وبين الدعاء بما جاء في القرآن، فالأول لا يكون في الركوع والسجود، والثاني يكون في السجود، أما الركوع فالأفضل فيه أن يكرر الإنسان ما فيه تعظيم الرب جل وعلا" انتهى .
https://binothaimeen.net/content/10863
الحالة الثانية :
أن تقرأ المعوذات على سبيل التلاوة، ففي هذه الحال لا بد من التقيد بجميع ألفاظ السورة من غير زيادة ولانقصان.
وهذا هو المطلوب في كل حال رُغّب فيه بقراءة المعوذات ، فالقراءة تقتضي قراءة السورة وتلاوتها، وليس مجرد التعوذ بمحتواها، لأن مجرد التعوذ لا يسمى قراءة.
ويظهر هذا بوضوح من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ) وَ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ) رواه البخاري (5017) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ لفظة ( قُلْ ) ، ولم يتركها بحجة أن التعوذ يحصل بدونها؛ لأن الترغيب في التعوذ بقراءة هذه السور ، هو لفضلها كلها .
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ ؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) رواه مسلم (814) .
ويدل لهذا ما رواه النسائي (5429) من طريق زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَأَصَبْتُ خُلْوَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ : قُلْ .
فَقُلْتُ: مَا أَقُولُ؟
قَالَ: قُلْ .
قُلْتُ: مَا أَقُولُ؟
قَالَ: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: مَا تَعَوَّذَ النَّاسُ بِأَفْضَلَ مِنْهُمَا ) صححه الألباني في "صحيح سنن النسائي".
فظهر بوضوح من هذه الرواية أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ السورتين كاملتين ، ولا يسقط منهما كلمة ولا حرفا .
والله أعلم .
تعليق