الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

المبالغة في التعلق وما يترتب عليها من المبالغة في المدح .

264782

تاريخ النشر : 13-05-2017

المشاهدات : 20480

السؤال

لدي صديقة أحسبها والله حسيبها على خير وأنا وهي منتقبتان بفضل الله. .المشكلة أنها تحبني حبا شديدا لا أقصد الحب الذي يفضي إلى فواحش والعياذ بالله" ولكنها ترفع من مكانتي بشكل ملفت وتوقرني كثيرا ودائما ما تحاول أن ترضيني. قد تقولون إذا ما المشكلة في أن يحبك ويحترمك شخص ما؟،لكن أقول أنا لا أستحق عشر ما تفعله معي إضافة إلى ذلك اخشى أن لا يطيق الأخرون ذلك لأنها تفعل ذلك بشكل واضح . أعلم أنها تريد لي الخير وأنا أيضا أحبها كثيرا وأقدرها واتمنى لها الخير ..لكنها تبالغ كثيرا في تقديري. فهل أجد منكم توجيها أصلح به الحال؟ من غير أن اجرحها أو أحرجها واضمن به بقاء أخوتنا وصداقتنا؟ وأكون شاكرة لكم.. وجزاكم الله خيرا

الجواب

الحمد لله.

أولا :

مما ينبغي أن يعلم أن "الغلو" مذموم كله ، فلم يمدح الغلو في عمل ، ولا خلق ، ولا هدي ، ولا سلوك ، ولا دين ، ولا دنيا .

وقد قال صلى الله عليه وسلم : روى النسائي (3057) من حديث ابْن عَبَّاسٍ أن النّبِي صَلّى اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ ) صححه الألباني في "صحيح النسائي" وغيره .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (103889) .

ومن هذا الغلو المذموم : الغلو في التعلق بالأشخاص :

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :  "أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا" . رواه الترمذي (1997) ، وصححه الألباني .

وينظر أيضا للفائدة : جواب السؤال رقم (127838) ورقم (176289) .

ومما ينبغي أن يعلم أيضا : أن التكلف – أيضا – مذموم ، في الأمر كله : قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ص/86 .

وفي صحيح البخاري (7293) عَنْ أَنَسٍ رضي  الله عنه قال : قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ ، فَقَالَ :( نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ ) .

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (128555).

ثانيا :

المبالغة في التعلق تفضي عادة إلى المبالغة في المدح ، وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه المبالغة بـ"الذبح" ؛ لما فيها من الهلاك للممدوح . فعَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ ) . رواه ابن ماجه (3743) وغيره ، وحسنه الألباني .

وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ، فَقَالَ: ( لَقَدْ أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ ) . رواه البخاري 6060 ومسلم (3001)

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا مِنْ رَجُلٍ، بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفْضَلُ مِنْهُ فِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

( وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ) ، مِرَارًا يَقُولُ ذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

( إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ، لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا، إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا ) . رواه البخاري 6061 ومسلم (3000)

ثالثا :

الواجب عليك أن تنصحي صاحبتك برفق ، وتبيني لها أدب الشرع في ذلك ، وأن الغلو والإفراط مذموم كله ، وأن من تحب أختها حبا صادقا ، لا تكون سببا في هلاكها ، ولا تمدحها بما يقطع عنقها ، بل تدعو لها في سرها وغيبها ، وتسأل الله أن يجعل هذه المحبة لله ، وخالصة فيه ، وأن يجعلها عونا على طاعته سبحانه .

فإن أبى المادح ، إلا أن يخالف أدب الشرع ، ويهلك صاحبه بغلوه ، وكلامه عنه ، فليسد الممدوح ذلك الباب عن نفسه ، ولينأ عن ذلك بالكلية .

عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ، فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا، فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ .

فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا شَأْنُكَ؟

فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ" , رواه مسلم (3002)

قال الحليمي رحمه الله : " وَذَلِكَ لأَنَّ الأَغْلَبَ أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ، فَيَغُرُّونَ الْمَمْدُوحَ، فَإِذَا حُثِيَ التُّرَابُ فِي وَجْهِ  الْمَادِحِ, فَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَغْتَرُّوا، وَأَيِسَ الْمَادِحُ مِنْ أَنْ يَغُرَّهُ." انتهى. نقله البيهقي في "شعب الإيمان" (6/497) .

وعَنْ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَأَةَ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زُكِّيَ ، قَالَ:

( اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ ) . رواه البخاري في الأدب المفرد (761) وصحح الألباني إسناده .

والله أعلم .
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب