الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

موظف في جمعية خيرية، ويأخذ من مخزنها بعض الأغذية والألبسة، ويستلم هدايا من بعض المتعاملين مع الجمعية.

270825

تاريخ النشر : 26-08-2017

المشاهدات : 16306

السؤال

1. أسأل عن جواز أو حرمة انتفاع زوجي ببعض الأمور من مكان عمله ، فزوجي يعمل بمؤسسة خيرية كبيرة لبناء المساجد ، والمعاهد ، وكفالة الدعاة ، وكفالة أسر ، وحملات إغاثية بإحدى الدول العربية ، ولتلك المؤسسة فرع لاستقبال التبرعات العينية مثل : الأكل ، والملابس ، وهناك نوعين من الملابس : ملابس جديدة موجهة للفقراء ، أو الملابس القديمة ، والتي لا يحتاجون لها ، وبدل من رميها يأتون بها على المؤسسة، مع العلم أن أغلب هذه الملابس يتم بيعها للتجار ، والاستفادة من المال في الصدقات ، وبهذا الفرع صديق زوجي يعمل على ترتيب هذه التبرعات العينية ، وهو من بين الفترة والأخرى يعطي زوجي أشياء منها ؛ ككيلو رز ، أو عدس ، أو تمر، إلى جانب بعض الملابس ، والشنط ، مع العلم في بعض الأحيان زوجي يدفع مبلغا تقديريا من نفسه على تلك الملابس فقط ، أم الأكل فلا ، وهناك عدة جمعيات مستقلة ببلدان أخرى ، وهي البلدان التي تنفذ بها مشاريع بناء المساجد وغيرها من الأنشطة تتعامل مع الجمعية التي يعمل بها زوجي ، ومن بين هذه الجمعيات هناك جمعية مواصفات عملها أحسن من الجمعيات الأخرى ، فيقوم زوجي بتحويل المشاريع عليها أكثر من الجمعيات الأخرى ، ومدير هذه الجمعية يبعث بالهدايا لزوجي ، 10 لترات عسل ، وهدايا أخرى ، لكن مؤخرا إلى جانب العسل أرسل لزوجي هدية باهظه الثمن ، فهل يجوز لزوجي قبولها أم لا ؟ وسؤالي الأخير : إذا كان في ما سبق ذكره شبهة ، فهل من الممكن أن يؤثر ذلك على تربية أولادنا ، وحياتنا الزوجية ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الأصل والعرف العام أن الشخص إذا سلم صدقة إلى جمعية خيرية فهو يقصد بها المحتاجين من المساكين والفقراء ولا يقصد بها أعضاء الجمعية وموظفيها، وإن لم ينطق بذلك عند تسليم صدقته.

والجمعية وكلية للمتصدقين والمتبرعين، فلا بد لها أن تتصرف على وفق قصد هؤلاء المتبرعين.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن موكله، من جهة النطق، أو من جهة العرف؛ لأن تصرفه بالإذن، فاختص بما أذن فيه، والإذن يعرف بالنطق تارة وبالعرف أخرى " انتهى، من "المغني" (7 / 243).

وبناء على هذا؛ فلا يجوز لزوجك أن يأخذ من هذه التبرعات من الأغذية والألبسة شيئا، لأن في ذلك خيانة للأمانة التي ائتمنهم عليها المتبرع.

والله سبحانه وتعالى يقول: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) الأنفال (27).

وقال الله تعالى: ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) البقرة (188).

لكن إن كان زوجك من أهل الاستحقاق لهذه الصدقات ، كأن تكون خاصة بالفقراء والمساكين ، وهو منهم : فنرجو ألا يكون عليه حرج عليه فيما أخذ ، بشرط ألا يضيق على غيره من أهل الاستحقاق ، وألا يكون فيه محاباة له على غيره من المستحقين .

وينظر السؤال رقم (107032) .

وأما إن لم يكن من أهل استحقاق هذه الصدقات : فلا يحل له أن يأخذ منها ، ولا يحل له أن يستغل عمله ، أو معارفه في أخذ ما ليس من حقه ، ويجب عليه أن يرد ما أخذ ، أو يرد بدله للجمعية .

وأما ما أخذه بمقابل فإن كان هذا الشيء مأذونا ببيعه، وأخذه بنفس الثمن الذي يباع به أو أكثر فلا بأس.

أما إذا أخذه بثمن أقل فعليه أن يدفع الفارق، فلا يجوز للمسؤول عن المخزن أن يحابيه لأن ما في المخزن ليس ملكه.

أما إذا اشترى شيئا غير مأذون ببيعه ففي هذه الحالة ما اشتراه زوجك هو شراء باطل؛ لأنه يعلم أن البائع يبيع ما لا يملك؛ والمسؤول عن المخزن لا يملك ما فيه.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (9 / 117):

" اتفق الفقهاء على أن من شروط البيع: أن يكون المبيع مملوكا للبائع، أو له عليه ولاية أو وكالة تجيز تصرفه فيه " انتهى.

ثانيا:

الأصل في الهدايا إلى العمال والموظفين التحريم.

عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ ) رواه أحمد في "المسند" (39 / 14)، وصححه الألباني في "ارواء الغليل" (8 / 246).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ ) رواه ابو داود (2943) وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2 / 230).

وعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: ( اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا.

ثُمَّ خَطَبَنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ) رواه البخاري (6979) ومسلم (1832).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فوجه الدلالة أن الهدية هي عطية يبتغي بها وجه المعطي وكرامته، فلم ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ظاهر الإعطاء قولا وفعلا، ولكن نظر إلى قصد المعطين ونياتهم التي تعلم بدلالة الحال .

فإن كان الرجل ، بحيث لو نزع عن تلك الولاية أهدي له تلك الهدية : لم تكن الولاية هي الداعية للناس إلى عطيته .

وإلا ؛ فالمقصود بالعطية إنما هي ولايته ، إما ليكرمهم فيها ، أو ليخفف عنهم ، أو يقدمهم على غيرهم ، أو نحو ذلك مما يقصدون به الانتفاع بولايته ، أو نفعه لأجل ولايته " انتهى. "الفتاوى الكبرى" (6 / 157).

وما وصف في السؤال من حال الهدية يظهر منه بوضوح أن هذه الهدية بسبب العمل، فهي حرام ومن باب الرشوة.

وسُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :

" هل يجوز لي قبول هدايا الموظفين الموجودين في الجمعية؟ حيث إذا سافر أحدهم إلى بلده أحضر هدية وقدمها لي؟ وإذا كان الجواب بعدم الجواز، فهل أردها عليهم؟ وللعلم فإن صلاحياتي محدودة في الجمعية، حيث إن في الجمعية ممن هو أكثر صلاحيات (نائب الرئيس، الرئيس، مجلس الإدارة) لكنني أنا المباشر لهم. أفيدونا وفقكم الله بجواب شاف كاف، حفظكم الله وبارك فيكم.

فأجابت: لا يجوز لك قبول الهدايا من الموظفين التابعين للجمعية؛ لأنها والحال ما ذكر في حكم الرشوة.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

صالح بن فوزان الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة" (23 / 580).

فعلى زوجك أن يسعى في التخلص من هذه الهدايا فليتنازل عنها إلى الجمعية أو إلى المحتاجين.

راجعي الفتوى رقم (104241).

ثالثا:

المفهوم من السؤال أن كسب زوجك الأصل فيه أنه مباح، لكن تتخلله بعض الأموال المحرمة، فما جهلت حاله من النفقة فلا حرج عليك ولا على ولدك أن تتناولوها بالمعروف .

وما يحصل من زوجك من تجاوزات شرعية فهو المسؤول عنها وحده، ما دمت غير راضية ولا مقرة لتصرفاته.

قال الله تعالى: ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) الأنعام (164).

سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" أبي -غفر الله له- يعمل في بنك ربوي، فما حكم أخذنا من ماله وأكلنا وشربنا من ماله؟ ...

فأجاب:

 أقول: خذوا النفقة من أبيكم، لكم الهناء وعليه العناء ، لأنكم تأخذون المال من أبيكم بحق؛ إذ هو عنده مال وليس عندكم مال، فأنتم تأخذونه بحق، وإن كان عناؤه وغرمه وإثمه على أبيكم فلا يهمكم، فها هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الهدية من اليهود، وأكل طعام اليهود، واشترى من اليهود، مع أن اليهود معروفون بالربا وأكل السحت، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يأكل بطريق مباح، فإذا ملك بطريق مباح فلا بأس.

أنظر مثلاً بريرة مولاة عائشة رضي الله عنهما، تصدق بلحم عليها، فدخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوماً إلى بيته ووجد البُرمة -القدر- على النار، فدعا بطعام ولم يؤت بلحم، أتي بطعام ولكن ما فيه لحم، فقال: ألم أر البرمة على النار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، ولكنه لحم تصدق به على بريرة.

والرسول عليه الصلاة والسلام لا يأكل الصدقة، فقال: (هو لها صدقة ولنا هدية) فأكله الرسول عليه الصلاة والسلام مع أنه يحرم عليه هو أن يأكل الصدقة؛ لأنه لم يقبضه على أنه صدقة بل قبضه على أنه هدية.

فهؤلاء الإخوة نقول: كلوا من مال أبيكم هنيئاً مريئاً، وهو على أبيكم إثم ووبال، إلا أن يهديه الله عز وجل ويتوب، فمن تاب تاب الله عليه " انتهى. "اللقاء الشهري" (45 / 27 بترقيم الشاملة).

لكن إذا علمت أن شيئا محددا بعينه من لباس أو غذاء ونحوه قد أخذه زوجك بطريق حرام ، فالأحوط لك أن تجنبي نفسك وولدك هذا الشيء .

ثالثا :

إذا أصلح زوجك ما فعل ورد الأشياء التي أخذها بغير حق إلى الجمعية أو رد ثمنها ، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، فلا يعاقبه الله تعالى عليه ، فلا يؤثر ذلك على معيشته ولا تربيته لأولاده .

وينبغي أن تكوني عونا لزوجك على اجتناب المحرمات والشبهات ، وقليل حلال يبارك الله فيه خير من كثير حرام لا بركة فيه .

نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالكم .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب