الحمد لله.
أولا:
قد بينا في الجواب المذكور (147284) أنه يشترط في الصرف وهو مبادلة عملة بعملة حصول التقابض الفوري.
وهذا التقابض إما أن يكون حقيقيا أو حكميا. فالقبض الحقيقي أن يكون يدا بيد، والحكمي له صور منها الإيداع الفوري في الحساب، واستلام ورقة الحوالة المصرفية، والشيك المصرفي، والشيك المصدق، على ما بين أهل العلم.
جاء في قرار مجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة ما نصه : " بعد الدراسة والبحث قرر المجلس بالإجماع ما يلي:
" أولا: يقوم استلام الشيك مقام القبض عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف .
ثانياً: يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض لمن يريد استبدال عملة بعملة أخرى سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف أو بعملة مودعة فيه " انتهى .
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/448) : "وقبض الشيك أو ورقة الحوالة حكمه حكم القبض في المجلس" انتهى .
ولم نقف على قول لأهل العلم في اعتبار أن رسالة من قابض المال إلى الطرف المقابل في البلد الآخر تقوم مقام القبض .
وإذا كان الشيك الشخصي لا يعتبر قبضا، حتى يكون مصدقا، فما بالك بمثل هذه الرسالة.
والأصل في المعاملات الحل إلا ما حرمه الشرع، وقد حرم الشرع النسيئة في مبادلة الأصناف الربوية واشترط أن تكون يدا بيد.
ورفع المشقة والحرج لا يكون باقتحام المحرمات، لا سيما الربا.
وقد ذكرنا أربعة مخارج لهذه المسألة يرتفع بها الحرج والحمد لله .
وأيسرها : المخرج الرابع، وهو حصول المبادلة في مجلس رباعي، يجتمع فيه: خالك مع صاحبه في فرنسا، ووكيل عن كل منهما في بلدهما، ويجري بينهما اتصال بالهاتف ، أو بغيره من الوسائل الحديثة، فإذا دفع خالك المال لصاحبه، دفع وكيل صاحبه ، لوكيله : العملة المقابلة في نفس المجلس.
وهذا سهل والحمد لله.
ثانيا:
إذا استمر خالك على طريقته المحرمة في تحويل المال، فإنه يأثم لوقوعه في ربا النسيئة، ولا يحل المال لجدك ولا لغيره؛ لأن عقد الصرف فاسد فلا يفيد الملك.
قال ابن المنذر رحمه الله: " وأجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا، أن الصرف فاسد" انتهى من "الإشراف على مذاهب العلماء" (6/ 61).
وقال ابن قدامة رحمه الله: "الصَّرْفُ: بَيْعُ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا، أَنَّ الصَّرْفَ فَاسِدٌ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ . وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا، وَنَهَى أَنْ يُبَاعَ غَائِبٌ مِنْهَا بِنَاجِزٍ كُلُّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ...
وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ الصَّرْفُ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ" انتهى من المغني (4/ 41).
وإذا بطل الصرف وجب أن يرد كل من المتصارفين ما أخذا، ولم يملك أحدهما ما أخذ من الآخر.
ثالثا :
إذا لم يغير خالك رأيه ، فقد فعلت ما عليك ، وقدمت له النصح الواجب ، وليس عليك أكثر من ذلك .
ثم لا حرج عليك في المعيشة مع جدك ، ولو كان خالك هو من ينفق عليك ، وعلى جدك ؛ وإثم هذه المعاملة المحرمة : إنما يكون على من وقع فيها ، وهو صاحب المال الذي حوله بهذه الطريقة الفاسدة .
وقد ذكرنا في فتاوى كثيرة في الموقع : أن المال المحرم لكسبه : إنما يحرم على كاسبه فقط ، فإذا انتقل إلى غيره بطريقة مباحة : حل له الانتفاع به ؛ بمعنى أنه إذا أهدى منه لغيره ، أو تصدق به ، أو أنفق منه على أولاده ، أو غيرهم : حل لهم جميعا الانتفاع بهذا المال ، وإثم الكسب المحرم ، وتحريمه : إنما يكون على كاسبه ، لا على غيره .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (126486).
والله أعلم.
تعليق