الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

قوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا آمنوا}، وهل هي طلب تحصيل حاصل ؟

278032

تاريخ النشر : 08-06-2018

المشاهدات : 33189

السؤال

من شروط التكليف المتعلقة بالفعل المكلف به : أن يكون الفعل معدوما ، هل يتعارض على أن يكون الفعل معدوما في قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ) ؟

الجواب

الحمد لله.

لا تتعارض الآية الكريمة مع ما قرره العلماء من كون شرط الفعل المكلف به أن يكون معدومًا، فـ"الإيمان" المطلوب في هذه الآية ، ليس هو الإيمان الحاصل ، الذي يمتنع طلبه ، كما تبين ذلك من معرفة وجوه تفسير هذه الآية :

الأول : أن الإيمان المطلوب في هذه الآية : هو إيمان أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم، بعدما آمنوا بنبيهم . وإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم لم يكن "حاصلا" في هذا الوقت .

يقول الطبري في معنى الآية: " يعني بذلك جل ثناؤه:  يا أيها الذين آمنوا ، بمن قبل محمد من الأنبياء والرسل، وصدَّقوا بما جاؤوهم به من عند الله   آمِنوا بالله ورسوله   يقول: صدّقوا بالله وبمحمد رسوله، أنه لله رسولٌ، مرسل إليكم وإلى سائر الأمم قبلكم .

  والكتاب الذي نزل على رسوله  ، يقول: وصدّقوا بما جاءكم به محمد من الكتاب الذي نزله الله عليه، وذلك القرآن.

 والكتاب الذي أنزل من قبل ، يقول: وآمنوا بالكتاب الذي أنزل الله من قبل الكتاب الذي نزله على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو التوراة والإنجيل.

فإن قال قائل:

وما وجه دعاء هؤلاء إلى الإيمان بالله ورسوله وكتبه، وقد سماهم"مؤمنين"؟

قيل: إنه جل ثناؤه لم يسمِّهم"مؤمنين"، وإنما وصفهم بأنهم "آمنوا"، وذلك وصف لهم بخصوصٍ من التصديق.

وذلك أنهم كانوا صنفين:

أهل توراة مصدّقين بها وبمن جاء بها، وهم مكذبون بالإنجيل والقرآن وعيسى ومحمد صلوات الله عليهما .

وصنف أهل إنجيل، وهم مصدّقون به وبالتوراة وسائر الكتب، مكذِّبون بمحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان .

فقال جل ثناؤه لهم :  يا أيها الذين آمنوا  ، يعني: بما هم به مؤمنون من الكتب والرسل .

  آمنوا بالله ورسوله  محمد صلى الله عليه وسلم .

 والكتاب الذي نزل على رسوله  ، فإنكم قد علمتم أن محمدًا رسول الله، تجدون صفته في كتبكم .

وبـ :  الكتاب الذي أنزل من قبلُ   ؛ الذي تزعمون أنكم به مؤمنون، فإنكم لن تكونوا به مؤمنين وأنتم بمحمد مكذبون، لأن كتابكم يأمركم بالتصديق به وبما جاءكم به، فآمنوا بكتابكم في اتّباعكم محمدًا، وإلا فأنتم به كافرون.

فهذا وجه أمرهم بالإيمان بما أمرهم بالإيمان به، بعد أن وصفهم بما وصفهم بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا )" انتهى من "تفسير الطبري" (التفسير: (9/312) ، وينظر : "الهداية"، لمكي بن طالب(2/ 1499).

الوجه الثاني : أن المطلوب من المؤمنين هنا ليس هو الإيمان الحاصل عندهم وقت الخطاب ، بل المطلوب منهم أن يثبتوا على الإيمان ، وأن يحصلوا من درجات الإيمان ، والزيادة فيه ، ما لم يكن حاصلا لهم ؛ فالإيمان يزيد وينقص ، كما هو معلوم مقرر .

وعلى ذلك ؛ فطلب الزيادة : طلب لأمر معدوم ، لا يزل العبد ساعيا في تحصيله ما عاش ، وليس تحصيلا لأمر حاصل .

انظر: "التفسير البسيط" (7/ 145) .

قال الإمام ابن كثير رحمه الله :

" يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه، وليس هذا من باب تحصيل الحاصل، بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه. كما يقول المؤمن في كل صلاة: اهدنا الصراط المستقيم  الفاتحة/6  أي: بصرنا فيه، وزدنا هدى، وثبتنا عليه. فأمرهم بالإيمان به وبرسوله، كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله الحديد/28  "التفسير"(2/ 434).

وقد قال أيضا في تفسير سورة الفاتحة ، الآية المشار إليها هنا :

" فإن قيل: كيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها، وهو متصف بذلك؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا؟

فالجواب: أن لا ؛ ولولا احتياجه ليلا ونهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك .

فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصره، وازدياده منها، واستمراره عليها .

فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق .

فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله؛ فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه، ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار .

وقد قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل الآية النساء/136 ، فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان، وليس في ذلك تحصيل الحاصل؛ لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/139) .

وقد أجمل الإمام أبو المظفر السمعاني رحمه الله ، وجوه الجواب عن ذلك . فقال :

" قَول تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله أَكثر الْمُفَسّرين على أَنه فِي الْمُؤمنِينَ، وَمَعْنَاهُ: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا آمنُوا، أَي اثبتوا على الْإِيمَان، كَمَا يُقَال: قف حَتَّى أرجع إِلَيْك للرجل الْوَاقِف أَي: أثبت وَاقِفًا.

وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ خطاب لِلْمُنَافِقين، وَمَعْنَاهُ: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا بِاللِّسَانِ آمنُوا بِالْقَلْبِ .

وَقَالَ الضَّحَّاك وَهُوَ رِوَايَة الْكَلْبِيّ عَن ابْن عَبَّاس: هُوَ خطاب لأهل الْكتاب، وَمَعْنَاهُ: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا بمُوسَى وَعِيسَى آمنُوا بِمُحَمد وَالْكتاب الَّذِي نزل على رَسُوله يَعْنِي: الْقُرْآن وَالْكتاب الَّذِي أنزل من قبل يَعْنِي: الْكتب الْمنزلَة من قبل الْقُرْآن." انتهى من "تفسير السمعاني" (1/490) .

وفي كل واحد من هذه الوجوه ما يكفي لرد الشبهة المذكورة .

والله أعلم.
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب