الحمد لله.
روى أبو داود (3635) ، والترمذي (1940) ، وابن ماجة (2342) ، وأحمد (15755) والطبراني في "الكبير" (830) ، والبيهقي في "سننه" (11386) ، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (583) عَنْ أَبِي صِرْمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ ضَارَّ ، ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ ، شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ .
وقال الترمذي عقبه : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ " ، وكذا حسنه الألباني في "صحيح الترمذي" وحسنه محققو المسند ، وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/11) : " إسناده جيد ".
وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري ، رواه الحاكم (2345) ، والبيهقي (11384) ، ولفظه : لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ .
وقال القاري رحمه الله :
" (مَنْ ضَارَّ) أَيْ مُؤْمِنًا ، بِأَنْ أَوْصَلَ إِلَيْهِ الضَّرَرَ ابْتِدَاءً (ضَارَّ اللَّهُ بِهِ) أَيْ: جَازَاهُ بِعَمَلِهِ وَعَامَلَهُ مُعَامَلَتَهُ، فَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُقَابَلَةِ.
(وَمَنْ شَاقَّ) أَيْ: خَالَفَهُ وَعَادَاهُ (شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَاقَبَهُ " .
انتهى من"مرقاة المفاتيح" (8/ 3156) .
ثانيا :
قول السائل :
" لكن الناس يضرون أشخاصا آخرين والله لا يضر بهم " فجوابه من وجوه :
الأول: ليس في الحديث أن وقوع الجزاء على هذه المضارة ، لا بد أن يكون في الدنيا ، بل الأصل في الجزاء : أن يكون في الآخرة ، التي هي دار الجزاء ، وقد يعجل الله ما شاء منه ، لمن شاء من عباده . وقد قال الله تعالى : وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ إبراهيم/42 .
قال الصنعاني رحمه الله :
" من ضار): من أوصل ضررًا إلى مسلم أو معاهد، بل أو أي حيوان محترم بغير حق.
(ضر الله به) : أنزل به الضرر الشديد ، في الدنيا والآخرة ، أو في أحدهما .
(ومن شاق): أوصل مشقة إلى غيره بغير حق : (شق الله عليه) ، حمل عليه المشقة ، مجازاة له على ما فعله، فإن الله حرم على العباد مضارة غيرهم ومشاقتهم، بل أمرهم بخلاف ذلك، فخير الناس أحسنهم للناس، وأحب عباد الله أنفعهم لعباده " انتهى من"التنوير شرح الجامع الصغير" (10/ 298) .
وروى مسلم (2581) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ . فَقَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ .
الثاني : أن تعجيل العقوبات في الدنيا ، هو كعقاب أصحاب المعاصي من المسلمين في الآخرة : مرده إلى مشيئة الله جل جلاله ، إن شاء عاقبه بذلك في الدنيا ، وإن شاء أخر عقابه إلى الآخرة ، وإن شاء عفا عنه ، وعوض صاحب الحق عما ناله من أذى ، أو ضرر ، بما يرضيه، إن تاب هذا المضار ، المشاقق .
الثالث: أنه ربما أصابه الضر في الدنيا في آخر أيامه، فيرد إلى أرذل العمر ، ويعقه أولاده ، وتتركه زوجته ، ويذهب ماله ، ونحو ذلك ، فتراه اليوم في سعة ، ولكن يضيق الله عليه ويصيبه الضر آخر عمره ، ولكن الإنسان يتعجل الانتقام ممن ظلمه ، فإذا رآه اليوم في عافية ظن أنه يبقى عليها طوال حياته .
ومثل ذلك ما جاء في دعوة المظلوم ، وانتصار الله له من ظالمه :
روى أحمد في "المسند" (8043) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، مرفوعا :
ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ .
قال محققو المسند : " حديث صحيح بطرقه وشواهده" . انتهى .
والله تعالى أعلم.
تعليق