الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

حكم المرور بأماكن المنكرات

286284

تاريخ النشر : 02-08-2018

المشاهدات : 9114

السؤال

ما حكم المرور بأماكن المنكرات كالمقاهى وغيرها وليس الجلوس فيها ؛ سواءً كان لحاجةٍ أو لغير حاجة ؟ وهل يجب عَلَىَّ إن كنت ذاهبًا لمكانٍ ما أن أتحرّى الطّريق الّذى لا يوجد به منكرات ، وإن أدّى ذلك إلى زيادة المسافة المقطوعة للذهاب لهذا المكان ، أم أنّ هذا فيه شئٌ من التّكلُّف ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الإسلام العظيمة الذي  به صلاح الدين والدنيا.

قال الغزالي رحمه الله في ''إحياء علوم الدين'' (2/306) :

" فإن الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ هُوَ الْقُطْبُ الأعظم في الدين ، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين . ولو طوى بساطه ، وأهمل علمه وعمله : لتعطلت النبوة ، واضمحلت الديانة ، وعمت الفترة ، وفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، واستشرى الفساد ، واتسع الخرق ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد" انتهى .

وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم: (96662) .

ثانيا:

لا حرج عليك في المرور بأماكن المنكرات كالمقاهي وغيرها ما لم تشاركهم في باطلهم .

قال تعالى :   وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا  الفرقان/72 .

قال الطاهر بن عاشور رحمه الله في "التحرير والتنوير" (19/79) :

" وَمَعْنَى: مَرُّوا كِراماً أَنَّهُمْ يَمُرُّونَ وَهُمْ فِي حَالِ كَرَامَةٍ، أَيْ غَيْرَ مُتَلَبِّسِينَ بِالْمُشَارَكَةِ فِي اللَّغْوِ فِيهِ فَإِنَّ السُّفَهَاءَ إِذَا مَرُّوا بِأَصْحَابِ اللَّغْوِ أَنِسُوا بِهِمْ وَوَقَفُوا عَلَيْهِمْ وَشَارَكُوهُمْ فِي لَغْوِهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَانُوا فِي غَيْرِ حَالِ كَرَامَةٍ.

وَالْكَرَامَةُ: النَّزَاهَةُ وَمَحَاسِنُ الْخِلَالِ، وَضِدُّهَا اللُّؤْمُ وَالسَّفَالَةُ. وَأَصْلُ الْكَرَامَةِ أَنَّهَا نَفَاسَةُ الشَّيْءِ فِي نَوْعِهِ قَالَ تَعَالَى: ( أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ) . وَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ حِمْيَرَ فِي الْحَمَاسَةِ :

وَلَا يَخِيمُ اللِّقَاءَ فَارِسُهُمْ ... حَتَّى يَشُقَّ الصُّفُوفَ مِنْ كَرَمِهِ

أَيْ شَجَاعَتُهُ، وَقَالَ تَعَالَى: ( وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً ) .

وَإِذَا مَرَّ أَهْلُ الْمُرُوءَةِ عَلَى أَصْحَابِ اللَّغْوِ : تَنَزَّهُوا عَنْ مُشَارَكَتِهِمْ ، وَتَجَاوَزُوا نَادِيَهُمْ ؛ فَكَانُوا فِي حَالِ كَرَامَةٍ .

وَهَذَا ثَنَاءٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِتَرَفُّعِهِمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً ) ، وَقَوْلِهِ: ( وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ ) " انتهى .

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :

وهذا نصه " إنني والحمد لله أصلى وأعمل جميع شعائر الدين وموجود في السوق نساء سافرات وأنا أراهن فهل يمسني ذنب أم لا؟

فأجاب رحمه الله تعالى :

" لا ريب أن خروج النساء سافرات في الأسواق من المنكر الذي يجب على من رآه أن يغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وأنه يجب على ولاة أمور المسلمين أن يمنعوا النساء من الخروج إلى الأسواق سافرات لمِا في ذلك من الفتنة وجلب الشرور عليهن .

وأنت إذا مررت بالسوق ، وأنت لا تستطيع أن تُغير هذا المنكر : فإنه لا حرج عليك ، إذا قمت بما يجب عليك من هذه المراتب ؛ فتغير بيدك ، فإن لم تستطع فبلسانك ، فإن لم تستطع فبقلبك. ولكن لا تتعمد النظر إلى هؤلاء النساء السافرات ؛ فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس ؛ من تركه رغبة فيما عند الله وخوفاً منه ، أورثه الله تبارك وتعالى حلاوة يجدها في قلبه . قال الله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) '' انتهى . ''فتاوى نور على الدرب للعثيمين"  (24/2) .

وإذا أمكنك أن تغير طريقك ، وتعبر من طريق آخر لا يوجد فيه مثل هذه المنكرات ، أو ما فيه أخف مما في طريقك المعتاد ، من غير مشقة عليك ، ولا كلفة زائدة : فهو أحسن لك ، وأبعد لك عن رؤيتها ، وإلف المنكرات التي فيها .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب