الحمد لله.
أولًا:
ليس في القرآن تناقض، وقد يقع التناقض في ذهن القارئ، وبالبحث وسؤال أهل العلم ، يزول الإشكال ، إن شاء الله تعالى .
وقد قال تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا النساء / 82 .
ثانيًا:
المقصود بالأولية في الآيتين الكريمتين : الأولية النسبية ؛ والمراد بها السبق إلى الإيمان، وقد يكون مرادا بذلك السبق في زمانه وأمته ، أو بلاده ، أو نحو ذلك .
ولا شك أن كل نبي سابقٌ لأمته إلى الإيمان، فموسى عليه السلام سبق قومه إلى الإسلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم سبق أمته إلى الإسلام، فصح بذلك أن يقولا عن نفسيهما : إنهما أول من أسلم ، أو يخبر عنهما بذلك .
ولا يفهم من الآية : الأولية المطلقة ، وهذا بين لا يمكن أن يقع في مثله الغلط ولا التعارض أصلا ؛ فمن المعلوم بالاضطرار أن محمدا وموسى عليهما صلوات الله وسلامه : كانا مسبوقين بمن قبلهما من أنبياء الله ، المسلمين ، المؤمنين ، من آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وغيرهم ممن سبقهم من أنبياء الله ، صلوات الله وسلامه عليهم جميعها . وهذا واضح بين في كتاب الله عز وجل .
يقول الطبري في الآية الأولى: " وقل لهم أيضا: إني أمرني ربي أن أكون أول من أسلم، يقول: أول من خضع له بالعبودية ، وتذلل لأمره ونهيه ، وانقاد له ، من أهل دهري وزماني " انتهى، من جامع البيان: (9/ 177).
وقال الطبري أيضا ، في آية موسى عليه السلام : " وأنا أول المؤمنين [الأعراف: 143] : بك ، من قومي ؛ أن لا يراك في الدنيا أحد إلا هلك "انتهى، من "التفسير" (10/ 432).
وقد ذكر أهل العلم في تفسير الآيتين هذا، وقرروا وجه هذه الأولية ، بأولية أهل الزمان ، كما سبق ، أو بأولية الإسلام الخاص الذي جاء به النبي ، والإيمان بشرعه الخاص الذي أوحاه الله إليه ، ولا يخفى وجه الأولية هنا ، فهو أول من تلقى الوحي بذلك من ربه ، وأول من صدقه ، وأول من اتبعه .
قال الغرناطي: " وإذ تقرر هذا ، فقوله: (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) أمر خاص به، ولا يَشْرَكُه فيه غيره، ونظير هذا قوله: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) (الأنعام: 14) . والمعنى يحرز ذلك، بل لا يمكن خلافه ؛ وذلك أن الحكم ، من الأمر والنهي، إذا جاء به المَلَك، وتلقى منه صلى الله عليه وسلم ما خوطب به ، وصدق به ، وأسلم وجهه لربه ، وبعد ذلك يتلقاه منه، عليه السلام، مَنْ حَضَره وخاطبه به، ولا طريق لأحد أن يتلقى حكماً إلا منه عليه السلام بعد تلقيه هو ذلك من جبريل .
فهو عليه السلام : أول مؤمن ، وأول مسلم، ولا تمكن تلك الأولية لغيره، ولا نسبة إليها لأحد " انتهى، من ملاك التأويل: (2/ 425).
وقال ابن عاشور: " ومعنى أول من أسلم أنه أول من يتصف بالإسلام الذي بعثه الله به، فهو الإسلام الخاص الذي جاء به القرآن، وهو زائد على ما آمن به الرسل من قبل، بما فيه من وضوح البيان والسماحة " انتهى، من التحرير والتنوير: (7/ 159).
وينظر: تفسير الزمخشري: (2/ 10)، وتفسير الرازي: (12/ 492).
والله أعلم .
تعليق