الأحد 28 جمادى الآخرة 1446 - 29 ديسمبر 2024
العربية

هل تعلّم النبي صلى الله عليه وسلم الطب من الحارث بن كَلَدة؟

288199

تاريخ النشر : 22-12-2018

المشاهدات : 42815

السؤال

هل لقي الحارث بن كلدة طبيب العرب ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهل هناك أكثر من رجل يسمى بالحارث بن كلدة ؟ وكيف نرد على من قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلم الطب من ابن كلدة ؟

ملخص الجواب

لم يتعلّم النبي صلى الله عليه وسلم الطب من الحارث بن كَلَدة، ولا أخذ عنه ولا عن غيره شيئا من العلوم ، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم طبيبا كالأطباء، وإنما هو عبد رسول ، يوحى إليه، لا يتجاوز الوحي.

الجواب

الحمد لله.

الحارث بن كَلَدَة، هو الحارث بن كَلَدَة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزّى بن غيرة بن عوف بن قصيّ الثقفي ، طبيب العرب.

"الإصابة في تمييز الصحابة" (1/ 687)

قال الذهبي رحمه الله:

" الحارث بن كَلَدَة ، الثقفي الطائفي، طبيب العرب.

سافر البلاد، وتعلم الطّب بناحية فارس ، وتعلم أيضًا ضرب العود بفارس وباليمن " .

انتهى من"تاريخ الإسلام" (4/ 192) .

ذكر بعض أهل العلم أنه أسلم ، قال ابن دريد رحمه الله:

" كان طبيبَ العرب في زمانه، وأسلمَ، ومات في خلافة عمر " انتهى من "الاشتقاق" (ص: 305)

وقال القفطي رحمه الله:

" الحارث بن كلدة الثقفي : طبيب العرب فِي وقته، أصله من ثقيف من أهل الطائف، رحل إِلَى أرض فارس، وأخذ الطب عن أهل تِلْكَ الديار من أهل جند يسابور وغيرها فِي الجاهلية وقبل الإسلام .

وجاد فِي هَذِهِ الصناعة ، وطب بأرض فارس، وعالج ، وحصل لَهُ بذلك مال هناك، وشهد أهل بلد فارس ممن رآه بعلمه ، وَكَانَ قَدْ عالج بعض أجلائهم ، فبرأ ، وأعطاه مالاً وجارية ، ثُمَّ إن نفسه اشتاقت لبلاده ، فرجع إِلَى الطائف ، واشتهر طبه بَيْنَ العرب ، وأدرك الحارث بن كلدة الإسلام .

وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر من كَانَتْ بِهِ علة أن يأتيه فيسأله عن علته " .

انتهى من "أخبار العلماء" (ص: 125) .

وقال آخرون من أهل العلم: لم يصح إسلامه.

قال ابن الأثير رحمه الله في ترجمة ابنه الحارث بن الحارث بن كلدة : " كان أبوه طبيب العرب وحكيمها، وهو من المؤلفة قلوبهم، وكان من أشراف قومه .

وأما أبوه الحارث بْن كلدة : فمات أول الإسلام، ولم يصح إسلامه .

وقد روى أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر سعد بْن أَبِي وقاص أن يأتيه ، ويستوصفه في مرض نزل به " انتهى من "أسد الغابة" (1/ 596)

وقال ابن أبي حاتم : " لم يصح له إسلام " انتهى من "الجرح والتعديل" (3/ 87)

والحديث الذي أشار إليه ابن الأثير والقفطي، هو ما رواه أبو داود (3875) عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: " مَرِضْتُ مَرَضًا أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي ، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا عَلَى فُؤَادِي فَقَالَ:   إِنَّكَ رَجُلٌ مَفْئُودٌ، ائْتِ الْحَارِثَ بْنَ كَلَدَةَ ، أَخَا ثَقِيفٍ ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ يَتَطَبَّبُ ، فَلْيَأْخُذْ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ ، فَلْيَجَأْهُنَّ بِنَوَاهُنَّ ، ثُمَّ لِيَلُدَّكَ بِهِنَّ  .

وهو حديث ضعيف ، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود".

ولم يثبت في نقل صحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع به ، فضلا عن أن يكون أخذ عنه الطب ، فإن هذا باطل بأمور ، منها :

-أنه لم يثبت إسلام الحارث بن كلدة، ولا ثبت اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم به، فكيف يقال: أخذ عنه الطبّ؟ 

- -أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث في الباب، ولم يقل يوما إنه تعلم الطب ولا أخذه عن أحد من الناس ، ولا نقل أصحابه ذلك عنه ، ولا عرفه الناس به ، ولا ذمه أعداؤه بذلك ؟!

قال ابن القيم رحمه الله:

" وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَاهُنَا أَمْرًا آخَرَ نِسْبَةُ طِبِّ الْأَطِبَّاءِ إِلَيْهِ كَنِسْبَةِ طِبِّ الطّرقِيَّةِ وَالْعَجَائِزِ إِلَى طِبِّهِمْ ، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ حُذَّاقُهُمْ وَأَئِمَّتُهُمْ ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ قِيَاسٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ تَجْرِبَةٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ إِلْهَامَاتٌ، وَمَنَامَاتٌ، وَحَدْسٌ صَائِبٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أُخِذَ كَثِيرٌ مِنْهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْبَهِيمِيَّةِ.

وَأَيْنَ يَقَعُ هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي يُوحِيهِ اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ بِمَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ ، فَنِسْبَةُ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الطِّبِّ ، إِلَى هَذَا الْوَحْيِ ؛ كَنِسْبَةِ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعُلُومِ إِلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ .

بَلْ هَاهُنَا مِنَ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي تَشْفِي مِنَ الْأَمْرَاضِ ، مَا لَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهَا عُقُولُ أَكَابِرِ الْأَطِبَّاءِ، وَلَمْ تَصِلْ إِلَيْهَا عُلُومُهُمْ وَتَجَارِبُهُمْ وَأَقْيِسَتُهُمْ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْقَلْبِيَّةِ، وَالرُّوحَانِيَّةِ، وَقُوَّةِ الْقَلْبِ وَاعْتِمَادِهِ عَلَى اللَّهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالِالْتِجَاءِ إلَيْهِ، وَالِانْطِرَاحِ وَالِانْكِسَارِ بَيْنَ يَدْيِهِ، وَالتَّذَلُّلِ لَهُ، وَالصَّدَقَةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ، وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ، وَالتَّفْرِيجِ عَنِ الْمَكْرُوب .

فَإِنَّ هَذِهِ الْأَدْوِيَةَ قَدْ جَرَّبَتْهَا الْأُمَمُ عَلَى اخْتِلَافِ أَدْيَانِهَا وَمِلَلِهَا، فَوَجَدُوا لَهَا مِنَ التَّأْثِيرِ فِي الشِّفَاءِ مَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ عِلْمُ أَعْلَمِ الْأَطِبَّاءِ، وَلَا تَجْرِبَتُهُ، وَلَا قِيَاسُهُ.

والْقَلْبُ مَتَى اتَّصَلَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَخَالِقِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ، وَمُدَبِّرِ الطَّبِيعَةِ وَمُصَرِّفِهَا عَلَى مَا يَشَاءُ ؛ كَانَتْ لَهُ أَدْوِيَةٌ أُخْرَى ، غَيْرُ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي يُعَانِيهَا الْقَلْبُ الْبَعِيدُ مِنْهُ ، الْمُعْرِضُ عَنْهُ " .

انتهى مختصرا من"زاد المعاد" (4/ 10)

هذا ، ولا نعرف من المشاهير من هو اسمه الحارث بن كلدة غير ذلك الطبيب المشهور .

والله تعالى أعلم.


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب