الخميس 25 جمادى الآخرة 1446 - 26 ديسمبر 2024
العربية

هل يفر لوط عليه السلام من امرأته يوم القيامة ؟

293702

تاريخ النشر : 27-11-2018

المشاهدات : 64206

السؤال

لقد قرأت أن لوطا عليه السلام هو النبي الذي يفر من امرأته ، فهل هذا صحيح ؟ وإذا كان كذلك ، فما الدليل ؟ و لماذا لوط وليس نوحا هو الذي يفر من زوجته رغم أن كلتاهما كافرتان ؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

لقد ذكر الله تعالى أن امرأة نبيا الله نوح ولوط عليهما السلام خانتاهما في قضية الإيمان ؛ فاتبعا غير سبيل المؤمنين، وذكر الله عاقبتهما أنهما من أصحاب النار، كما قال سبحانه:

 ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ  التحريم/10 .

يقول تعالى ذكره: مثَّل الله مثلا للذين كفروا من الناس وسائر الخلق امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا، وهما نوح ولوط فخانتاهما. ذكر أن خيانة امرأة نوح زوجها أنها كانت كافرة، وكانت تقول للناس: إنه مجنون. وأن خيانة امرأة لوط، أن لوطا كان يسر الضيف، وتدل عليه.

انظر: "تفسير الطبري"(23/ 111).

ثانيًا:

ذكر بعض أهل التفسير عند تفسير قوله تعالى:  يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ  : أن المقصود بصاحبته: امرأة لوط ، والمقصود بأبيه: والد إبراهيم، والمقصود ببنيه: نوح .

قال السمعاني: " وَقَوله: يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه * وَأمه وَأَبِيهِ * وصاحبته وبنيه : يفر مِنْهُم لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ أَن يَنْفَعهُمْ ، وَينْتَفع بهم.

قيل: يفر لِئَلَّا يرَوا الهوان الَّذِي ينزل فِيهِ .

وَقيل: يفر مِنْهُم ضجرا ؛ لعظم مَا هُوَ فِيهِ .

وَفِي بعض التفاسير: أَن قَوْله: من أَخِيه : قابيل من هابيل.

... وَقَوله: وَأَبِيهِ : هُوَ إِبْرَاهِيم - صلوَات الله عَلَيْهِ - من أَبِيه.

وَقَوله: وصاحبته : هُوَ لوط - عَلَيْهِ السَّلَام - من زَوجته.

وَقَوله: وبنيه : هُوَ آدم - عَلَيْهِ السَّلَام - من بنيه المفسدين، وَقيل: هُوَ نوح - عَلَيْهِ السَّلَام - من ابْنه" انتهى من "تفسير السمعاني"(6/ 162).

وقال القرطبي: " (وصاحبته) أي زوجته. (وبنيه) أي أولاده. وذكر الضحاك عن ابن عباس قال: يفر قابيل من أخيه هابيل .. وإبراهيم عليه السلام من أبيه، ونوح عليه السلام من ابنه، ولوط من امرأته، وآدم من سوأة بنيه.

وقال الحسن: أول من يفر يوم القيامة من، أبيه: إبراهيم، وأول من يفر من ابنه نوح، وأول من يفر من امرأته لوط. قال: فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم وهذا فرار التبرؤ " انتهى من "تفسير القرطبي" (19/ 225)، بتصرف.

وهذا القول ينسب للحسن وقتادة ، وفي إسناده عنهما مقال، ولم نقف عليه منسوبًا لأحد فوقهما.

وننبه هنا على أمور مهمة في بيان ذلك ، وفهم المراد من الآية :

الأول : أنه - مع فرض ثبوت هذا التفسير عمن قال به من السلف - : فإن لفظ الآية عام ، وما ذكر من الأشخاص ، أو الأسماء : هو من باب الخاص ، والعبرة في معنى الآية : عموم اللفظ ، لا خصوص السبب ؛ إن صح أن الآية نزلت في سبب بعينه ، خاص .

وعلى ذلك ؛ فإذا إذا قيل في آية: إنها نزلت في كذا، فهذا لا يعني أنها تُقصر على هذا السبب، بل المراد هنا الألفاظ، ولذا تعمَّم هذه الألفاظ ؛ وإن كان السبب خاصّاً .

واعتمد هذه القاعدة أكثر علماء الأمة من مفسرين وغيرهم، والمحققون من أهل الأصول، بل حكى الزركشي الإجماع على ذلك ، وطبقها السلف في تفسيرهم.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وقصر عمومات القرآن على أسباب نزولها باطل، فإن عامة الآيات نزلت بأسباب اقتضت ذلك، وقد علم أن شيئًا منها لم يقتصر على سببه ".

ينظر : "فصول في أصول التفسير" ، للشيخ مساعد الطيار (132) ، "دراسات في علوم القرآن" للدكتور فهد الرومي (433) .

الثاني :

أن كثيرا من السلف يذكر أسماء ، أو أعيانا خاصة ، في تفسير بعض الآيات ، ويكون ذلك على سبيل ضرب المثال للمعنى المراد من الآية ، وليس على سبيل حصر معنى الآية في اللفظ الخاص المذكور .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " " الصنف الثاني " – يعني : من خلاف السلف في التفسير - : أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع - لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه .

مثل سائل أعجمي سأل عن مسمى " لفظ الخبز " فأري رغيفا وقيل له: هذا. فالإشارة إلى نوع هذا لا إلى هذا الرغيف وحده .." ، انتهى من "مجموع الفتاوى" (13/337) .

وقال الشاه ولي الله الدهلوي ، رحمه الله :

" وقد تحقق لدى الفقير أن الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين - كثيرا ما يقولون: "نزلت الآية في كذا" ، ولا يكون غرضهم إلا تصوير ما تصدق عليه الآية من الأحداث والمعاني، وذكر بعض القصص والوقائع التي تشملها الآية الكريمة ، لعموم لفظها، سواء كانت القصة متقدمة على نزول الآية ، أو متأخرة عنها، إسرائيلية كانت أو جاهلية، أو إسلامية ، تنطبق على جميع قيود الآية أو بعضها. والله أعلم.

انتهى من "الفوز الكبير في أصول التفسير" (176) .

وعلى ذلك :

فما ذكر في تفسير "الزوجة" و"الأب" و"الولد" ، الذي يحصل منه الفرار يوم القيامة ، بأنها زوجة فلان ، أو ابن فلان = كل هذا إنما هو على باب ضرب المثل لما يكون في ذلك الموقف ، وإيضاح معنى الآيات ، بذكر بعض ووقائعها ، وشرح العام ، بذكر بعض أفراده . 

فليس مرادهم حصر فرار زوجة لوط من لوط فحسب، ولكن فيه تنبيه عليها ، لتكرر ذكرها في القرآن بالسوء ، بخلاف زوجة نوح عليه السلام فلم يذكر لها شأن على جهة التفصيل ؛ والظاهر أنهما وإن اشتركتا في الكفر ، لكن كان أمر زوجة لوط أشد ، وفسادها أظهر ، وخيانتها أبين .

ثم ننبه أخيرا :

على أن الفرار : منه فرار البغض، والتبرؤ ؛ كفرار المؤمن من الكافر .

وهناك فرار لانشغال الإنسان نفسه، وشدة هول الموقف العظيم ؛ وقد يحصل هذا لأهل الإيمان ، بل لأقرب الخلق إلى نفس الإنسان ، وألصقهم بقلبه ، وأعظمهم رأفة به.

قال الله تعالى :  يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ الحج/1-2 .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب