الحمد لله.
أولًا:
المعلوم الثابت من حال النبي صلى الله عليه وسلم : الرحمة العامة ، المهداة إلى العالمين .
وبهذه الرحمة مدحه الله وزكاه . قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ آل عمران/159 ، وقال: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ التوبة/128 .
وفي الحديث عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: " أن هذه الآية التي في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا [الأحزاب: 45]، قال في التوراة: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب بالأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا "، البخاري: (4838).
ثانيًا:
أما الآيات نحو قوله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ التوبة/73، وقوله : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ التوبة/123، فإن الغلظة هنا معناها الشدة .
قال الطبري: " واشدد عليهم في ذات الله " انتهى من "تفسير الطبري" (23/ 111) .
وقال ابن عاشور: " وإنما وجه هذا الأمر إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - لأنه جبل على الرحمة ، فأُمر بأن يتخلى عن جبلته في حق الكفار والمنافقين، وأن لا يغضي عنهم كما كان شأنه من قبل " انتهى من "التحرير والتنوير"(10/ 267).
وقال: " والمقصد من ذلك إلقاء الرعب في قلوب الأعداء، حتى يخشوا عاقبة التصدي لقتال المسلمين.
ومعنى أمر المسلمين بحصول ما يجده الكافرون من غلظة المؤمنين عليهم، هو أمر المؤمنين بأن يكونوا أشداء في قتالهم.
وهذه مبالغة في الأمر بالشدة، لأنه أمر لهم بأن يجد الكفار فيهم الشدة؛ وذلك الوُجدان لا يتحقق إلا إذا كانت الغلظة بحيث تظهر، وتنال العدو؛ فيحس بها " انتهى من "التحرير والتنوير"(11/ 63).
والله أعلم .
تعليق