الحمد لله.
أولا:
الزرادشتية ديانة شركية وثنية، كما بينا في جواب السؤال رقم: (258698 ).
ثانيا:
هذه الفِرية الساقطة فيها اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بالكذب، وأنه ما أسري به ولا عرج به، وأنه اختلق القرآن الذي تحدث عن الإسراء، فكيف لمسلم أن ينظر في مثل هذه الشبهة التي تقدح في كتابه وصدق نبيه؟
وهي ترديد لما كان يقوله المشركون عنه صلى الله عليه وسلم، وقد أكذبهم الله فقال: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ النحل/103.
وقال سبحانه: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الفرقان/5
والنبي صلى الله عليه وسلم ثبتت نبوته بعشرات الأدلة، من المعجزات المتواترة، وحاله وسيرته، وحال أصحابه، ونصر الله له وتأييده، وما أخبر به من المغيَّبات التي وقعت بعده كما أخبر، ويمكن على الوقوف على ذلك في كتب "دلائل النبوة".
والقرآن ثبت أنه كلام الله تعالى، بإخبار الله بذلك، وإخبار نبيه، مع تحدي الإنس والجن أن يأتوا بمثله، أو بسورة من مثله، فما فيه هو الحق الذي لا مِرية فيه، وقد أخبر سبحانه أنه أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة متواترة بتفاصيل ما جرى في الإسراء والمعراج، فوجب الإيمان بذلك والتصديق به، دون التفات لشبهات المبطلين.
بل لا يكون الكلام مع هؤلاء المبطلين إلا في إثبات الرسالة والنبوة وصحة القرآن، فحيث ثبت ذلك، وجب التصديق بكل ما في القرآن وما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه يستحيل على الرسول الكذب.
ثالثا:
لا يضر حصول أشياء متشابهة لأنبياء الله تعالى، كصعود عيسى إلى السماء، ثم صعود النبي صلى الله عليه وسلم، وما ثبت من ذلك وجب الإيمان به كله، وعدم التكذيب بشيء منه: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ البقرة/285
ولو ثبتت نبوة زرادشت، وثبت أنه عُرج به إلى السماء، لوجب الإيمان بذلك، ولكن أنى يثبت ذلك؟!
رابعا:
حقيقة الأمر أن ما جاء في بعض كتب الزرادشتية عن معراج زرادشت، هو المسروق المأخوذ من الإسلام!
وقد نصت الموسوعة الفارسية، وموقع المكتبة البريطانية: على أن قصة معراج زرادشت كُتبت، أو أخذت شكلها النهائي بين القرن التاسع والعاشر الميلاديين، أي بين سنه ( 800 – 900 ) ميلادي.
والنبي صلى الله عليه وسلم توفي سنة ( 632 بالتاريخ الميلادي)، مما يعني أن قصة معراج زرادشت كتبت بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ب 168 سنة على الأقل.
وقد جاءت قصة معراج زرادشت في كتاب للديانة الزرادشتية اسمه: “arda viraf: visit to heaven & hell”، وهو واحد من عشرات الكتب للديانة الزرادشتية، بالإضافة إلى الكتاب المقدس "الأفيستا"، وهي تتشابه في كثير من تفاصيلها مع رحلة الإسراء والمعراج في الإسلام لدرجة التطابق.
لكن يلاحظ هنا أن القصة لم تُذْكر في الكتاب المقدس الرئيسي للديانة "الأفيستا"، تقول الموسوعة الفارسية في موقعها على الانترنت(peer reviewed) عن كتاب “arda viraf: visit to heaven & hell” الذي ذكرت فيه القصة: "هو مثل العديد من النصوص الزرادشتية، وقد تعرَّض لعمليات تنقيح، تعديل، متتالية، ويُعتقد أنه أخذ صيغته النهائية في القرن(9-10) بعد الميلاد". وضع هذه الترجمة أحمد سبيع، وفقه الله.
وتقول الموسوعة الإيرانية: "وقد تكون بعض التأثيرات، نقلت عن طريق الإسلام، وقد ارتكبت على هذه الأخيرة، ولكن لا يزال يتعين إثباتهما تمامًا".
انظر هنا.
وفي موقع المكتبة البريطانية الذي يحتفظ بمخطوطة الكتاب: "بالرغم من ذلك، فإن القصة لم تأخذ شكلها النهائي حتى القرن (9-10) بعد الميلاد".
خامسًا:
بخصوص المعراج البابلي فهو يتحدث عن صعود الملك السومري (ايتانا) إلى السماء .. إذ لم تكن للملك القدرة على الإنجاب، وكان حلمه أن يُرزق بابن له يحمل اسمه، ويكمل نسله، فصعد الملك إلى السماء السابعة على ظهر نسر عملاق، بعد أن عالجه من لدغة أفعى !!وكان سبب صعود الملك هو من أجل مقابلة مجمع الآلهة، للحصول على نبتة الإنجاب.
ومعراج إيليا، نبي اليهود، كما في الكتاب المقدس، وفيه أنه "قد خبأ إيليا نفسه في أحد وديان شرقي الأردن، حيث يوجد نهر كريث ليمده بالماء والغربان تعوله ” بخبز ولحم ” مرتين في اليوم ... فأمره الله أن يذهب إلى صرفة التي لصيدون وهناك كانت الارملة التي ارسله الله اليها ... عملت له كعكة صغيرة ...” تمتعت بإتمام الوعد الذي أعطاها إيّاه إيليا باسم الرب، بأن كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص، إلى أن يأتي الرب بالمطر... ولما مرض ابن الأرملة ومات، ظنت ذلك هو قضاء الله على خطاياها، جاء عليها بسبب وجود نبي الله، ولكن إيليا أخذه منها، وصعد الى العُلية التي كان مقيماً بها، وأضجعه على سريره، وصرخ إلى الرب، فعادت الحياة الى الولد".
ويلاحظ هنا: أنه سواء المعراج البابلي أو اليهودي، كلاهما لا يزيد عن كون الشخصية البابلية واليهودية قد صعدت إلى السماء؛ فلا اشتراك مع المعراج النبوي، كما ثبت عندنا، لا في الوسيلة ولا في الأهداف ولا في التفاصيل، وهكذا شأن المعراج الزرادشتي أيضًا.
ولا إشكال في أن تحتوي ديانة ما على فكرة، أو قصة، تتعلق بالصعود إلى السماء؛ ففطر العابدين على اختلاف أديانهم متوجهة إلى الله سبحانه، وهذا مشترك ديني أصله هو الدين الحق الذي كان الله يرسل به أنبياءه، وإن كان الناس يحرفونه بعد ذلك، فذلك لا يمنع أن تبقى في هذه الديانات المحرفة، أثارات من الدين الحق.
ولا ينبغي أن يشكل هذا القدر الضئيل من الاشتراك موضعًا للشبهة، فهل ستثار لدينا شبهة لأننا نصلي ونصوم، وكذا اليهودية والمسيحية وغيرهما من الديانات تحتوي على صيام وصوم، وقد حج رسول الله وطاف بالبيت، وكذلك كان يفعل مشركو قريش، فهل أخذ رسول الله عبادة الحج من المشركين؟
اللهم لا؛ فإن أصل فعل العبادات في البيت الحرام هو من دين إبراهيم إمام الحنفاء، وأبو الأنبياء؛ لكن حرفه المشركون والوثنيون عن أصله، حتى أتى نبينا بالدين الخاتم السالم من التحريف فشرع لنا عبادة متكاملة يرضاها ربنا سبحانه، وترك ما أدخله عليه الجاهليون من البدع والضلالات والانحراف به عن شرع الأنبياء.
وإذا كان الله جل جلاله يرسل أنبياءه بدين الحق، ثم يتعرض له الناس بالتحريف والتشويه؛ فمقتضى ذلك: وجود شيء من الأفكار المشتركة، وهي أثارات العلم الباقية من المصدر الأول، الواحد. ومن هنا نفهم أن توجد في الديانات فكرة العروج للسماء، وليس لرسول الله اطلاع على شيء من هذه الديانات، ولا معرفة بشيء من تفاصيلها؛ كما قال الله تعالى لنبيه : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ العنكبوت/48-49 .
بل لم نعلم نحن عن المعراج البابلي إلا من ألواح سومر التي كانت مدفونة تحت الأرض من قبل مبعث نبينا عليه الصلاة والسلام.
والنصيحة لك أيها السائل الكريم؛ ألا تنظر في شبهات المبطلين، وألا تحاور الملاحدة، فإن هذا إنما يكون للراسخين في العلم، وإلا فإن الشبه قد تتسل إلى القلب، وتضعف اليقين وربما ذهبت به.
والله أعلم.
تعليق