الحمد لله.
أولًا:
شجرة (الزقوم) ، أعاذنا الله منها ، بمنه وكرمه ، أخبرنا الله تعالى أنها طعام لأهل النار، يطعمونها، فلا يتنعمون منها بطعم، ولا تنفعهم من جوع . قال تعالى: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ الدخان/ 43 - 46 .
قال مكي : " وهي مشتقة من التزقم، وهو البلع على جهد وشدة، فقيل لها شجرة الزقوم؛ أنهم يتزقمونها (أي) يبتلعونها من شدة جوعهم، فيبتلعونها على جهد ، وتقف على حلوقهم ، يختنقون بها لخشونتها ومرارتها ، وكراهتها ونتنها ، فيتعذبون بها على أن تصل إلى أجوافهم ، فيملؤون بطونهم من ذلك من شدة الجوع ، ثم لا ينفعهم ذلك ، ولا يجدون له نفعا ولا لذة "انتهى من "الهداية" (9/ 6113).
وقال الواحدي: " قال أهل المعاني: الزقوم: ثمر شجرة مرة الطعم جدًا، من قولهم: تزقم هذا الطعام إذا تناوله على تكرُّه ومشقَّة شديدة .
وقال ابن زيد: إن يكن للزقوم اشتقاق فمن التزقم، وهو الإفراط من أكل الشيء، حتى يُكره ذلك. يقال: بات فلان يتزقم.
الكسائي وأبو عمرو: الزقم واللقم واحد هذا كلامهم.
وإذا كان الزقم بمعنى اللقم، كان معنى التزقم تناول الشيء بِكُرهٍ، والزقوم ما يكره تناوله.
والذي أراد الله : هو شيء مرٌ كريه ؛ يُكره تناوله. وأهل النار يُكرَهونَ على تناولِهِ، فهم يتزقمونه على أشد كراهيته " انتهى من "التفسير البسيط" (19/60).
ثانيًا:
اختلف علماء التفسير: هل هذه الشجرة من شجر الدنيا التي ستكون للكفار عذابًا يوم القيامة أم لا ؟ ، على قولين:
الأول: أنها شجرة معروفة من أشجار الدنيا، ومن قال بهذا اختلفوا فيها:
1- فقال قطرب: " إنها شجرة مرّة تكون بتهامة من أخبث الشجر "، وتهامة من بلاد الجزيرة العربية أقرب إلى اليمن .
2- وقال غيره: " بل كل نبات قاتل ".
القول الثاني، وهو الصحيح من أقوال علماء التفسير: أن الله تعالى أخبر بشجرة من أشجار النار، اسمها "شجرة الزقوم"، وأن هذه الشجرة لا علم لنا بها، وليست هي مما يوجد من شجر الدنيا، ولا هي مما له نظير أو قريب لها في دار الدنيا . وقد قال الله تعالى في شأنها: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ الصافات/62-65 .
فلو كانت وجد في دار الدنيا، أو يوجد لها شبيه أو نظير ، لردهم إليها ، ليعرفوها ، وينفروا عنها ، ولما هول من أمرها ؛ فلما ردهم إلى خبره عنها ، ووصفها بتلك الأوصاف المستبشعة؛ دل على أنهم لا عهد لها بها ، ولا وجود لها عندهم ، ولا نظير لها يردهم إليها ، أو يشبهها به.
قال "ابن عاشور" رحمه الله: " وتصدي القرآن لوصفها المفصل هنا : يقتضي أنها ليست معروفة عندهم " انتهى من "التحرير والتنوير"(23/123).
وينظر: "النكت والعيون"، للماوردي: (5/ 50 - 51)، "تفسير ابن عطية" (4/475) ، "زاد المسير" (3/543).
والله أعلم.
تعليق