الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

الحكمة من نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان .

303238

تاريخ النشر : 13-04-2019

المشاهدات : 45667

السؤال

لماذا اختار الله إرسال عيسى إلى الأرض في آخر الزمان وليس النبي محمد ، حيث إنّه هو الذي نشر كلمة الإسلام إلى الناس؟

ملخص الجواب

سوف ينزل عيسى عليه السلام آخر الزمان ، متبعًا لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم . وقد ذكر بعض أهل العلم أن من حكم ذلك النزول : إظهار دين الإسلام آخر الزمان باتباع عيسى له . وإظهار كذب اليهود والنصارى ، وهما الطائفتان الكبيرتان المخالفتان لأهل الإسلام ، فحين ينزل: يظهر صدق الإسلام ، ونبي الإسلام ، للعالم أجمع !!

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

ينزل عيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه في آخر الزمان ، كما قال سبحانه : ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) الزخرف/62 .

أي : وإن ظهور عيسى علم يعلم به قرب قيام الساعة أي: هو من أشراطها، ونزوله إلى الأرض دليل على فناء الدنيا وإقبال الآخرة .

انظر : " الهداية " لمكي (10/ 6686).

وقد قال الله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) النساء/ 159 .

قال " ابن كثير " في " تفسيره " (2/ 454) : " ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ القولُ الأولُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَّا آمَنَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَيْ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ سِيَاقِ الْآيِ فِي تَقْرِيرِ بُطْلَانِ مَا ادَّعَتْهُ الْيَهُودُ مِنْ قَتْلِ عِيسَى وَصَلْبِهِ، وَتَسْلِيمِ مَنْ سَلَّمَ لَهُمْ مِنَ النَّصَارَى الْجَهَلَةِ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا شُبِّهَ لَهُمْ فَقَتَلُوا الشَّبِيهَ وَهُمْ لَا يَتَبَيَّنُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ رَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِنَّهُ بَاقٍ حَيٌّ، وَإِنَّهُ سَيَنْزِلُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ -الَّتِي سَنُورِدُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا-فَيَقْتُلُ مَسِيحَ الضَّلَالَةِ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ -يَعْنِي: لَا يَقْبَلُهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ، بَلْ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ أَوِ السَّيْفَ-فَأَخْبَرَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَئِذٍ، وَلَا يَتَخَلَّفُ عَنِ التَّصْدِيقِ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَيْ: قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، الَّذِي زَعَمَ الْيَهُودُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ النَّصَارَى أَنَّهُ قُتِلَ وَصُلِبَ.

وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا أَيْ: بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي شَاهَدَهَا مِنْهُمْ قَبْلَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ إِلَى الْأَرْضِ " ، انتهى .

وساق أحاديث نزول عيسى عليه السلام ، ثم قال : " فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة، وابن مسعود، وعثمان بن أبي العاص، وأبي أمامة، والنواس بن سمعان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومجمع بن جارية وأبي سريحة وحذيفة بن أسيد، رضي الله عنهم.

وفيها دلالة على صفة نزوله ومكانه، من أنه بالشام، بل بدمشق، عند المنارة الشرقية، وأن ذلك يكون عند إقامة الصلاة للصبح وقد بنيت في هذه الأعصار، في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة منارة للجامع الأموي بيضاء، من حجارة منحوتة، عوضا عن المنارة التي هدمت بسبب الحريق المنسوب إلى صنيع النصارى - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة - وكان أكثر عمارتها من أموالهم، وقويت الظنون أنها هي التي ينزل عليها المسيح عيسى ابن مريم، عليه السلام، فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام كما تقدم في الصحيحين، وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وتقرير وتشريع وتسويغ له على ذلك في ذلك الزمان، حيث تنزاح عللهم، وترتفع شبههم من أنفسهم؛ ولهذا كلهم يدخلون في دين الإسلام متابعة لعيسى، عليه السلام، وعلى يديه؛ ولهذا قال تعالى: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا .

وهذه الآية كقوله تعالى وإنه لعلم للساعة [الزخرف: 61] وقرئ: "علم" بالتحريك، أي إشارة ودليل على اقتراب الساعة، وذلك لأنه ينزل بعد خروج المسيح الدجال، فيقتله الله على يديه، كما ثبت في الصحيح: "إن الله لم يخلق داء إلا أنزل له شفاء" ويبعث الله في أيامه يأجوج ومأجوج، فيهلكهم الله به ببركة دعائه، وقد قال تعالى: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق الآية [الأنبياء: 96، 97] " ، انتهى من " تفسير ابن كثير " (2/ 464).

ثانيًا :

لم يرد في شيء من نصوص الوحي ، ما يدل على الحكمة من نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، لكن تكلم بعض أهل العلم في حكمة ذلك ، نظرا واجتهادا . 

قال ابن حجر رحمه الله : "  قال العلماء : الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء ؛ الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه ؛ فبين الله تعالى كذبهم ، وأنه الذي يقتلهم .

أو نزوله لدنو أجله ، ليُدفَن في الأرض ؛ إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها .

وقيل: إنه دعا الله ، لما رأى صفة محمد وأمته ، أن يجعله منهم ، فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل في آخر الزمان ، مجدِّدا لأمر الإسلام فيوافق خروج الدجال فيقتله " ، انتهى ، فتح الباري : (6/ 493).

وقد سبق في جواب السؤال رقم : (222036) ما نصه : " ويظهر أن في نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان ، من الحكم ، والله أعلم بمراده من ذلك : 
أن يجعل من أسباب ظهور الإسلام ، الذي هو دين الأنبياء جميعًا ، ظهورا كاملًا شاملًا على هذه الأرض ؛ أن ينزل عيسى ابن مريم ، بعدما اختلف الناس فيه ، وتحزبوا لأجله على أحزاب وطوائف ، ليدل هؤلاء المختلفين على حقيقة أمره ، ويفصل بينهم فيما اختلفوا فيه من شأنه ؛ فينصر المسلمين ، ويقاتل اليهود ، ويقتل زعيمهم المسيح الدجال ، ويلزم النصارى بالإسلام ، ولا يقبل منهم جزية ، ويبطل مقالتهم ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ".انتهى.

وليعلم السائل الكريم أن عيسى عليه السلام سينزل متبعًا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم .

قال علماء اللجنة الدائمة : " دلت الأحاديث على نزوله آخر الزمان ، وعلى أنه يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى أن إمام هذه الأمة ، في الصلاة وغيرها ، أيام نزول عيسى : من هذه الأمة .

وعلى ذلك لا تكون هناك منافاة بين نزوله ، وبين ختم النبوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ حيث لم يأت عيسى برسالة جديدة .

ولله الحكم أولا وآخرا ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، ولا معقب لحكمه ، وهو العزيز الحكيم " انتهى من   "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/ 301 - 302).

وقال علماء اللجنة أيضًا : " ورد في القرآن نصوص في رفع عيسى ابن مريم حيا إلى السماء ، ونزوله نبيًا رسولًا ؛ وذلك امتدادا لنبوته ورسالته قبل رفعه ، لكن لا يدعو إلى شريعته ، بل يدعو إلى أصول الإسلام التي دعا إليها الأنبياء والمرسلون جميعًا ، وإلى الفروع التي جاء بها خاتم الرسل محمد عليه الصلاة والسلام ، فليست نبوة ورسالة جديدة حتى تتنافى مع ختم النبوات برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " .

انتهى من   "فتاوى اللجنة الدائمة" (3 / 328 - 329).
والحاصل :

أن عيسى عليه السلام سوف ينزل آخر الزمان ، متبعًا لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد ذكر بعض أهل العلم أن من حكم ذلك النزول :

إظهار دين الإسلام آخر الزمان باتباع عيسى له .

وإظهار كذب اليهود والنصارى ، وهما الطائفتان الكبيرتان المخالفتان لأهل الإسلام ، فحين ينزل: يظهر صدق الإسلام ، ونبي الإسلام ، للعالم أجمع !!

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب