الأحد 28 جمادى الآخرة 1446 - 29 ديسمبر 2024
العربية

معنى نسيان آدم عليه السلام .

304839

تاريخ النشر : 27-06-2019

المشاهدات : 13572

السؤال

وردت آيات في القرآن تفيد أن آدم عليه السلام قد نسي ، وآيات تفيد أنه قد عصي ، فهل نسي أم عصى؟

ملخص الجواب

لأهل العلم قولان في معنى نسيان آدم عليه السلام، هل كان على معنى : الترك المتعمد ، وهذا معصية ظاهرة. أو كان على جهة الذهول، وعدم الذكر، ويكون العفو عن النسيان، على هذا، من خصائص الأمة المحمدية، وتخفيف الله عنها.

الجواب

الحمد لله.

ذكر العلماء في معنى النسيان الذي وصف به آدم عليه السلام قولان :

الأول : أنه بمعنى الترك .

والترك لا ينافي العمد ، فمعنى الآية : أن الله عهد إلى آدم، فترك عهده .

انظر : " تفسير الطبري " (16/ 181) .

الثاني : أنه بمعنى السهو .

قال البغوي : " يجوز أن يكون نسي أمره، ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعًا عن الإنسان، بل كان مؤاخذا به، وإنما رفع عنا " ، " تفسير البغوي " (5/ 298).

انظر في الأقوال : " النكت والعيون " للماوردي (3/ 430).

يقول " السعدي " : " ولقد وصينا آدم وأمرناه ، وعهدنا إليه عهدا ليقوم به ، فالتزمه ، وأذعن له وانقاد ، وعزم على القيام به ، ومع ذلك نسي ما أُمر به ، وانتقضت عزيمته المحكمة ، فجرى عليه ما جرى ، فصار عبرة لذريته ، وصارت طبائعهم مثل طبيعته ، نسي آدم فنسيت ذريته ، وخطئ فخطئوا ، ولم يثبت على العزم المؤكد ، وهم كذلك ، وبادر بالتوبة من خطيئته ، وأقر بها واعترف ، فغفرت له ، ومن يشابه أباه فما ظلم " ، انتهى  من " تفسير السعدي" (514).

ويقول الشيخ " الشنقيطي " في " أضواء البيان " (4/ 103) : " وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَنَسِيَ ) فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ وَجْهَانِ مَعْرُوفَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسْيَانِ التُّرْكُ، فَلَا يُنَافِي كَوْنَ التَّرْكِ عَمْدًا.

وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ النِّسْيَانَ، وَتُرِيدُ بِهِ التَّرْكَ، وَلَوْ عَمْدًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ) ، فَالْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : التَّرْكُ قَصْدًا.

.... وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ : ( فَنَسِيَ ) أَيْ : تَرَكَ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ ، وَخَالَفَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ تَرْكِ الْأَكْلِ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ، يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِضِدِّهِ .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي : هُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسْيَانِ فِي الْآيَةِ : النِّسْيَانُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الذِّكْرِ، لِأَنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا أَقْسَمَ لَهُ بِاللَّهِ، أَنَّهُ لَهُ نَاصِحٌ فِيمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَاهُ رَبُّهُ عَنْهَا؛ غَرَّهُ ، وَخَدَعَهُ بِذَلِكَ، حَتَّى أَنْسَاهُ الْعَهْدَ الْمَذْكُورَ . كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ) .

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْإِنْسَان، لِأَنَّهُ عَهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ.  رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ اهـ. وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

وَمَا سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إِلَّا لِنَسْيِهِ ... وَلَا الْقَلْبُ إِلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ

أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَا إِشْكَالَ فِي قَوْلِهِ: ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) .

وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي ، فَفِيهِ إِشْكَالٌ مَعْرُوفٌ، لِأَنَّ النَّاسِيَ مَعْذُورٌ، فَكَيْفَ يُقَالُ فِيهِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى.

وَأَظْهَرُ أَوْجُهِ الْجَوَابِ عِنْدِي عَنْ ذَلِكَ: أَنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا بِالنِّسْيَانِ .

وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي كِتَابِي ( دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ ) : الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ الْعُذْرَ بِالنِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ وَالْإِكْرَاهِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، كَقَوْلِهِ هُنَا ( فَنَسِيَ ) ، مَعَ قَوْلِهِ ( وَعَصَى ) ؛ فَأُسْنِدَ إِلَيْهِ النِّسْيَانُ، وَالْعِصْيَانُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ بِالنِّسْيَانِ .

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَرَأَ ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) ، قَالَ اللَّهُ نَعَمْ قَدْ فَعَلْتُ.

فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْفُوًّا عَنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ، لَمَا كَانَ لِذِكْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِنَانِ، وَتَعْظِيمِ الْمِنَّةِ عَظِيمُ مُوقِعٍ.

وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ( كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ) ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ .

فَقَوْلُهُ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي : يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِأُمَّتِهِ، وَلَيْسَ مَفْهُومَ لَقَبٍ، لِأَنَّ مَنَاطَ التَّجَاوُزِ عَنْ ذَلِكَ: هُوَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ التَّفْضِيلِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ " انتهى من  "أضواء البيان" (4/ 103).

والحاصل:
أن لأهل العلم قولين في معنى نسيان آدم عليه السلام، هل كان على معنى : الترك المتعمد ، وهذا معصية ظاهرة. أو كان على جهة الذهول، وعدم الذكر، ويكون العفو عن النسيان، على هذا، من خصائص الأمة المحمدية، وتخفيف الله عنها.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب