السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

الرد على من يقول إن صفات الأفعال كالخلق والرزق حادثة مخلوقة

305009

تاريخ النشر : 14-12-2019

المشاهدات : 24213

السؤال

لقد سمعت شيخا مشهورا يقول خلق الله لصفة الرزق فهل هذا صواب أم لا ؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

صفات الله عز وجل غير مخلوقة، سواء كان صفات ذاتية كالوجه واليدين، أو فعلية كالخلق والرزق والاستواء والنزول؛ لأن الصفة تابعة للموصوف، والموصوف هو الله تعالى.

و"الرزق" صفةٌ فعليةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة، و (الرزَّاق) و (الرَّازق) من أسمائه تعالى.

وقد دل الكتاب والسنة على إثبات هذه الصفة لله تبارك وتعالى ، قال تعالى :  فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّبَاً  النحل:/ 114  .

وقال:   إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ   الذاريات/58 .

حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: ( لو أنَّ أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رَزَقْتَنَا ... ) . رواه: "البخاري" (141) ، و"مسلم" (1434) .

قال ابن القيم في "النونية" (2/101 - شرح الهرَّاس) :

"وكذلك الرزَّاقُ من أسمائه ... والرَّزْقُ من أفعالهِ نوعانِ"

قال الهرَّاس : " ومن أسمائه سبحانه (الرزَّاقُ) ، وهو مبالغة من (رازق) ؛ للدلالة على الكثرة، مأخوذ من الرَّزْق - بفتح الراء - الذي هو المصدر، وأما الرِّزق - بكسرها -؛ فهو لعباده الذين لا تنقطع عنهم أمداده وفواضله طرفة عين.

والرزق كالخلق، اسم لنفس الشيء الذي يرزق الله به العبد؛ فمعنى الرزَّاق: الكثير الرزق، صفةٌ من صفات الفعل، وهو شأن من شؤون ربوبيته عَزَّ وجَلَّ، لا يصح أن ينسب إلى غيره، فلا يسمى غيره رازقاً كما لا يسمى خالقاً، قال تعالى: اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ؛ فالأرْزاق كلها بيد الله وحده، فهو خالق الأرزاق والمرتزقة، وموصلها إليهم، وخالق أسباب التمتع بها؛ فالواجب نسبتها إليه وحده وشكره عليها، فهو مَولاها وواهبها "، انتهى من "صفات الله عز وجل" للشيخ علوي بن عبد القادر السقاف: (175 - 177).

ثانيًا :

ذهب الأشاعرة إلى أن صفات الأفعال حادثة؛ لأنها عبارة عن التعلق التنجيزي الحادث لصفة القدرة، فليس عندهم صفة اسمها الخلق، ولا صفة اسمها الرزق، وإنما زعموا أن القدرة تتعلق تعلقا تنجيزيا حادثا بإيجاد كذا في وقت معين، فيكون هذا هو الخلق، أو تتعلق برزقه في وقت معين، فيكون هذا هو الرزق، وهذا فرارا من إثبات صفة متجددة، أي خلق بعد خلق، ورزق بعد رزق.

قال البيجوري رحمه الله: "وخرج بإضافة (صفات) إلى الذات: صفات الأفعال، فليس شيء منها بقديم عند الأشاعرة، بخلافه عند الماتريدية... لأنها عند الأشاعرة تعلقات القدرة التنجيزية الحادثة، وعند الماتريدية هي عين صفة التكوين القديمة" انتهى من شرح جوهر التوحيد، ص89.

وقال: "وليست صفاته حادثة؛ لأنها لو كانت حادثة للزم قيام الحوادث بذاته تعالى" انتهى.

وهذا مذهب باطل مخالف للكتاب والسنة والإجماع، ولا محذور في كون الله تعالى يتكلم بكلام بعد كلام، أو يخلق خلقا بعد خلق، أو يرزق رزقا بعد رزق.

وفرارهم إلى مسألة التعلق لا ينفعهم، فإنه يقال لهم: هذا التعلق إما أن يكون أمرا وجوديا أو عدميا، فإن كان وجوديا، فقد قام بالصفة أمر متجدد.

وإن كان أمرا عدميا، لزم أمر في غاية الشناعة والقبح وهو أن الله لم يخلق ولم يرزق، وقد ألزم الرازي أصحابه القول بحلول الحوادث لأجل القول بهذه التعلقات، كما في كتابه الأربعين، والمطالب العالية.

وقد حمل الأشاعرة ما جاء من النصوص في إثبات صفة الخلق والرزق على أن المراد بالخلق المخلوق، وبالرزق المرزوق.

وقد خالف الماتريدية الأشعرية هنا، وأثبتوا صفة أزلية أسموها "التكوين" وأدخلوا تحتها صفات الأفعال.

وقد صرح الماتريدية بأن نفي التكوين والزعم بأن الخلق هو المخلوق، يلزم منه الكفر، وهو تعطيل الصانع، وأن العالَم ليس مخلوقا لله، وبينوا أن وجود القدرة لا يلزم منه وجود المخلوق، فالله قادر على أشياء كثيرة لم يخلقها، ولابد من قيام صفة به غير القدرة ينتج عنها الخلق.

قال أبو المعين النسفي: "وقول أكثر المعتزلة وجميع النجارية والأشعرية: أن التكوين والمكوَّن واحد، قول محال؛ وهذا لأن القول باتحاد التكوين والمكوَّن، كالقول بأن الضرب هو المضروب، والكسر عين المكسور، والأكل عين المأكول؛ وفساد هذا ظاهر يُعرف بالبديهة، فكذا هذا.

ولأن التكوين لو كان هو المكوَّن، وحصول المكوَّن بالتكوين، لكان حصول المكوَّن بنفسه، لا بالله تعالى، فلم يكن الله تعالى خالقا للعالم، بل كان العالم وكل جزء من أجزائه خالقا لنفسه؛ إذ حصوله بالخَلْق، وخلقُه نفسُهُ، وكذا يكون عينه خالقا وعينه مخلوقا، فهو الخالق وهو الخلق وهو المخلوق، وهذا مع ما فيه من تعطيل الصانع وإثبات الغنية عنه، وإبطال تعلق المخلوقات به، مع هذا كله محال".

إلى أن قال: "ولأن التكوين لو كان هو المكوَّن، لم يكن من الله تعالى إلى العالم شيء يوجب كونه خالقا للعالم، وكون العالم مخلوقا له، سوى أن ذات الباري أقدم من العالم -وكون ذات أقدم من غيره، لا يوجب كون الثاني مخلوقا للأول، إذا لم يكن منه فيه صنع.

أو لأن لله تعالى قدرة على العالم، وثبوت القدرة لا يوجب حصول المقدور، ما لم يحصّله القادر، فيكون في القول به إخراج الله تعالى من أن يكون خالقا للعالم، وإخراج العالم من أن يكون مخلوقا لله تعالى، والقول به كفر" انتهى من التمهيد للنسفي ص 29.

وينظر: تبصرة الأدلة، ص 428.

وليعلم أن الماتريدية جعلوا صفة التكوين أزلية لا تتجدد، ولم يثبتوا صفة الخلق والرزق والإحياء والإماتة، فرارا من تعدد الصفات!

وكل هذا مجانب للصواب، فمن صفات الله تعالى الخلق والرزق والإحياء والإماتة، وهو يخلق خلقا بعد خلق، ويرزق رزقا بعد رزق، تبارك وتعالى، وأدلة ذلك كثيرة مستفيضة؛ وليس شيء من صفاته مخلوقا، ولا حادثا، لم يكن من قبل ذلك.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب