الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

توجيه قراءة ابن عباس رضي الله عنهما : "يُطوَّقونه".

312933

تاريخ النشر : 24-11-2020

المشاهدات : 11386

السؤال

لماذا لا يتم العمل بقراءة ابن عباس في سورة البقرة يطوقونه هو يقرأها هكذا، بينما القراءات العشر المتواترة كلها يطيقونه بالنسبة للصيام ؟

الحمد لله.

أولًا : هذه القراءة مروية عن ابن عباس وهي قراءة شاذّة 

هذه القراءة مروية عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال "الطبري" : "وكان ابن عباس يقرؤها فيما روي عنه: وعلى الذين يطوقونه"، "التفسير" (3/ 161)، وهي قراءة شاذة ، وإن صح إسنادها لابن عباس رضي الله عنهما .

و"(يُطوَّقونه) بضم الياء، وفتح الطاء، وتخفيفه، وفتح الواو وتشديده، أي يكلَّفونه ويحملونه" ، انتهى من"الكشف والبيان" (4/ 416).

ومعنى كونها شاذة ، أي : أنها لم تستوعب شروط القراءات المتواترة ، والتي هي :

1- صحة السند.

2- موافقة رسم المصاحف العثمانية.

3- موافقة القواعد اللغوية .

فهي موافقة للقواعد وصحة السند ، لكنها خالفت رسم المصحف .

فيستفاد من القراءة الشاذة في التفسير واللغة والأحكام الشرعية ، لكنها لا تكون كالقراءات المتواترة من حيث صحة الجزم بقرآنيتها ، والقراءة بها في الصلاة ، ونحو ذلك من الأحكام.

فالقراءة الصحيحة في الأشهر من أقوال العلماء هي : كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت المصحف العثماني ولو احتمالاً ، وصح إسنادها ، فإن اختل ركن من هذه الأركان كانت هذه القراءة شاذة .

قال ابن الجزري : " كل قراءة وافقت العربية ، ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ، ولو احتمالاً ، وصح إسنادها : فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها ، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ، ووجب على الناس قبولها ..

ومتى اختل ركن من هذه الأركان أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة ، سواء كانت عن السبعة أو عمن هو أكبر منهم ، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف .. وهو مذهب السلف الذي لا يعرف من أحدهم خلافه " .

انتهى من " النشر في القراءات العشر" (1/9) .

وانظر في معنى القراءات والفرق بين الشاذ والمتواتر : (177136)، (178120).


ثانيًا :  معنى ( يطوقونه ) ؛ أي : يكلفونه، فلا يستطيعونه 

قال الإمام "البخاري" في "صحيحه" (6/ 25) : "بَابُ قَوْلِهِ: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 184] .

وَقَالَ عَطَاءٌ: يُفْطِرُ مِنَ المَرَضِ كُلِّهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَالَ الحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ: فِي المُرْضِعِ أَوِ الحَامِلِ، إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا : تُفْطِرَانِ ثُمَّ تَقْضِيَانِ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ : فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ مَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ، كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، خُبْزًا وَلَحْمًا، وَأَفْطَرَ .

قِرَاءَةُ العَامَّةِ: يُطِيقُونَهُ [البقرة: 184]: وَهْوَ أَكْثَرُ" .

... ثم ساق بسنده (4505) عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقْرَأُ : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فَلاَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ، وَالمَرْأَةُ الكَبِيرَةُ: لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا " ، انتهى .

قال الثعلبي : "فأما الذين قرءوا: (يطَّوقُونه) فتأولوا أنهم الشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمريض الذي لا يرجى برؤه؛ فهم يكلفون الصوم، ولا يطيقونه، فلهم أن يفطروا ويطعموا مكان كل يوم أفطروه مسكينًا، وقالوا: الآية محكمة غير منسوخة"، انتهى من "الكشف والبيان "(4/ 428).

قال ابن تيمية : "ومعنى ( يطوقونه ) ؛ أي : يكلفونه، فلا يستطيعونه ؛ فكل من كَلِفَ الصومَ، فلم يطقه ؛ فعليه فدية طعام مسكين , وإن صام مع الجهد والمشقة ؛ فهو خير له , وهذا معنى كلام ابن عباس في رواية عطاء عنه"، انتهى من"شرح العمدة - كتاب الصيام" (1/ 263).

وهي قراءة شاذة ، كما في "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها" (1/ 118).


ثالثًا : حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا ​

اختلف العلماء في حكم الحامل والمرضع إذا أفطرتا على عدة أقوال :

القول الأول : عليهما القضاء فقط ، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله . وقال به من الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

القول الثاني : إن خافتا على أنفسهما فعليهم القضاء فقط ، وإن خافتا على ولديهما فعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم ، وهو مذهب الإمامين الشافعي وأحمد . وحكاه الجصاص عن ابن عمر رضي الله عنهما .

القول الثالث : عليهما الإطعام فقط ، ولا قضاء عليهما . وقال به من الصحابة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، وحكاه ابن قدامة في "المغني" (3/37) عن ابن عمر أيضًا رضي الله عنهما.

وقد فصلناه بأدلته في جواب السؤال رقم : (49794)،(208441).

فالحاصل أن مذهب ابن عباس معمول به عند بعض العلماء .

قال "ابن كثير" في "التفسير" (1/ 500) بتصرف:

" وقال البخاري ... عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ: " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين ". قال ابن عباس: ليست منسوخة، هو للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا.

... وعن ابن عباس قال نزلت هذه الآية: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، ثم ضعف، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكينا.

... وقال ابن أبي ليلى، قال: دخلت على عطاء في رمضان، وهو يأكل، فقال: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا، ثم نزلت هذه الآية فنسخت الأولى، إلا الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر.

فحاصل الأمر: أن النسخ ثابت في حق الصحيح المقيم، بإيجاب الصيام عليه، بقوله: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) .

وأما الشيخ الفاني ، الهرم الذي لا يستطيع الصيام : فله أن يفطر ، ولا قضاء عليه، لأنه ليست له حال يصير إليها يتمكن فيها من القضا.

ولكن هل يجب عليه إذا أفطر أن يطعم عن كل يوم مسكينا إذا كان ذا جِدة؟ فيه قولان للعلماء، أحدهما: لا يجب عليه إطعام؛ لأنه ضعيف عنه ، لِسِنِّه، فلم يجب عليه فدية ، كالصبي؛ لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني -وهو الصحيح، وعليه أكثر العلماء -: أنه يجب عليه فدية عن كل يوم، كما فسره ابن عباس وغيره من السلف، على قراءة من قرأ: (وعلى الذين يطيقونه) أي: يتجشمونه، كما قاله ابن مسعود وغيره، وهو اختيار البخاري فإنه قال: وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام، فقد أطعم أنس -بعد أن كبر عاما أو عامين - كل يوم مسكينا خبزا ولحما، وأفطر.

... ومما يلتحق بهذا المعنى: الحامل والمرضع، إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما، ففيهما خلاف كثير بين العلماء، فمنهم من قال: يفطران ويفديان ويقضيان.

وقيل: يفديان فقط، ولا قضاء.

وقيل: يجب القضاء بلا فدية.

وقيل: يفطران، ولا فدية ولا قضاء"، انتهى.

وينظر لللفائدة: "قواعد الترجيح المتعلقة بالنص عند ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير - دراسة تأصيلية تطبيقية"، عبير النعيم(475).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب