الحمد لله.
أولا:
اللوح المحفوظ مخلوق كسائر المخلوقات، فكل ما سوى الله مخلوق، كالعرش والكرسي واللوح.
وهذا أمر ظاهر، لا إشكال فيه، ولا خلاف فيه أصلا؛ فكل ما سوى الله جل جلاله: مخلوق له سبحانه، كائن بعد أن لم يكن، اللوح المحفوظ ، والقلم، والعرش، وكل شيء، مما في السماء، وفوق السماء، ومما في الأرض، وتحت الأرض، ومما في هذا الكون بأسره: هو مخلوق لله رب العالمين.
ولا إشكال في كتابة القرآن في اللوح المحفوظ المخلوق، فإننا جميعا نكتب القرآن في الورق والصحف المخلوقة.
ونتكلم نحن بالكلام، وندونه في الأوراق، ولا تحل صفة الكلام التي اتصفنا بها في الأوراق، بل صفاتنا قائمة بنا.
ثانيا:
النور من صفاته تعالى، كما قال: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ الزمر/69 وهذا يكون يوم القيامة.
وأما في الدنيا فالنور الذي نشاهده مخلوق، وهو نور الشمس والقمر وغيرهما من المخلوقات .
ويوم القيامة لا يقال إن صفة الله حلت في الأرض، بل صفته قائمة به سبحانه، كعلمه وسمعه وبصره وخلقه وإرادته وكلامه.
ونحن في الدنيا نستنير بنور الشمس والقمر، وهما في غاية البعد عنا، ولا يقول أحد : إن الشمس أو القمر قد حلا فينا، أو إن صفة الشمس أو القمر حلت فينا، فالصفة قائمة بالموصوف، ولكن هناك أثر الصفة وما ينتج عنها.
قال ابن القيم رحمه الله في "النونية" ص212:
"وَالنُّورُ مِنْ أسْمائِهِ أيْضاً ، وَمِنْ * أَوْصَافِهِ ، سُبْحَانَ ذِي البُرْهَانِ
وحِجَابه : نورٌ ؛ فلو كشفَ الحِجا * بَ لَأَحْرقَ السُّبحاتُ للأكوانِ
وإِذا أَتى للفصلِ ، يُشرقُ نُورهُ * في الأرضِ ، يومَ قِيامةِ الأَبدانِ" انتهى.
وقال رحمه الله: " النَّصَّ قَدْ وَرَدَ بِتَسْمِيَةِ الرَّبِّ نُورًا، وَبِأَنَّ لَهُ نُورًا مُضَافًا إِلَيْهِ، وَبِأَنَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَبِأَنَّ حِجَابَهُ نُورٌ، هَذِهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ.
فَالْأَوَّلُ يُقَالُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِالْإِطْلَاقِ، فَإِنَّهُ النُّورُ الْهَادِي.
وَالثَّانِي يُضَافُ إِلَيْهِ ، كَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ حَيَاتُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَعِزَّتُهُ وَقُدْرَتُهُ وَعَلِمُهُ .
وَتَارَةً يُضَافُ إِلَى وَجْهِهِ، وَتَارَةً يُضَافُ إِلَى ذَاتِهِ ...
الثَّالِثُ : وَهُوَ إِضَافَةُ نُورِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كَقَوْلِهِ: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور: 35].
وَالرَّابِعُ كَقَوْلِهِ: " حِجَابُهُ النُّورُ ".
فَهَذَا النُّورُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ : يَجِيءُ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ" انتهى من "مختصر الصواعق"، ص423
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " أريد من سماحتكم تفسير قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
فأجاب: معنى الآية الكريمة عند العلماء أن الله سبحانه منورها، فجميع النور الذي في السماوات والأرض ويوم القيامة كل من نوره سبحانه.
والنور نوران: نور مخلوق ، وهو ما يوجد في الدنيا والآخرة ، وفي الجنة ، وبين الناس الآن من نور القمر والشمس والنجوم، وهكذا نور الكهرباء والنار : كله مخلوق ، وهو من خلقه سبحانه وتعالى.
أما النور الثاني: فهو غير مخلوق ، بل هو من صفاته سبحانه وتعالى. والله سبحانه وبحمده بجميع صفاته هو الخالق ، وما سواه مخلوق، فنور وجهه عز وجل، ونور ذاته سبحانه وتعالى، كلاهما غير مخلوق، بل هما صفة من صفاته جل وعلا.
وهذا النور العظيم وصف له سبحانه ، وليس مخلوقا ؛ بل هو صفة من صفاته ، كسمعه وبصره ويده وقدمه ، وغير ذلك من صفاته العظيمة سبحانه وتعالى.
وهذا هو الحق الذي درج عليه أهل السنة والجماعة" انتهى من "مجموع فتاواه" (6/ 54).
وأما حديث: أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات فحديث ضعيف، وينظر في بيان ضعفه: "سلسلة الأحاديث الضعيفة" للألباني (6/ 486).
والله أعلم.
تعليق