الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

يداوم على الاستغفار لكن لم يرزق بالولد ولم ينزل المطر

السؤال

أنا شاب ملتزم، واستغفر دائماً، ولله الحمد، والله عزوجل قال في كتابه : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)، ولكني لم أرزق ببنين، ولا تمطر السماء غالباً فكيف ذلك؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ثبت بالنصوص الشرعية أن الاستغفار سبب للحياة الطيبة في الدنيا وسبب للرزق بالمال والولد، وسبب للمطر.

قال سبحانه وتعالى:  أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ *  وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ   هود/2 - 3.

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" هذه الآية الكريمة تدل على أن الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى من الذنوب سبب لأن يمتع الله من فعل ذلك متاعا حسنا إلى أجل مسمى؛ لأنه رتب ذلك على الاستغفار والتوبةِ، ترتيبَ الجزاء على شرطه.

والظاهر أن المراد بالمتاع الحسن: سعة الرزق، ورغد العيش، والعافية في الدنيا، وأن المراد بالأجل المسمى: الموت، ويدل لذلك قوله تعالى في هذه السورة الكريمة عن نبيه هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:   وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ  ، وقوله تعالى عن "نوح":   فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا  ، وقوله تعالى:   مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً   الآية، وقوله:  وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ   الآية، وقوله:   وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ  ، وقوله:  وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ  ، إلى غير ذلك من الآيات " انتهى من "أضواء البيان" (3 / 11 - 12).

ولمزيد الفائدة ينظر جواب السؤال رقم : (39775).

ثانيا:

إذا تأخر على المستغفر حصول الولد أو نزول المطر: فلا يصح أن يسيء الظن بربه تعالى؛ بل عليه أن يرجع إلى نفسه فيسيء بها الظن؛ فربما يستغفر من غير خضوع قلب ولا خشوع ، بل باللسان وحده؛ وهذا معرض لرد استغفاره.

قال الله تعالى:  ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ   الأعراف/55 – 56.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ   رواه الترمذي (3479)، وحسنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2 / 286).

أو ربما يكون للمستغفر ذنوب هو غافل عنها، فلم يتب منها، ولم يستغفر الله.

ثم من عقيدة المسلم أن الله تعالى كامل في عدله فلا يظلم العبد مثقال ذرة من خير، وكامل في حكمته، فلذا على المستغفر أن يحسن الظن بربه؛ ولا يعترض على حكمته.

قال الله تعالى:  لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ   الأنبياء/23.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"وهو سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وله فيما خلقه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ورحمة عامة وخاصة، وهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا لمجرد قدرته وقهره، بل لكمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (8 / 79).

فلعل في تأخر الولد أو المطر خيرًا له؛ فلعل صلاحه في حرمانه من بعض متاع الدنيا.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" بل الذي ينافي الرضا: أنه يلح عليه، متحكما عليه، متخيرا عليه ما لم يعلم: هل يرضيه أم لا؟  كمن يلح على ربه في ولاية شخص، أو إغنائه، أو قضاء حاجته، فهذا ينافي الرضا، لأنه ليس على يقين أن مرضاة الرب في ذلك " انتهى من " مدارج السالكين " (3 / 2033).

وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" فينبغي للعاقل أن يأنس بانعكاس الأغراض، فإن دعا وسأل بلوغ غرض، تعبد الله بالدعاء: فإن أعطي مراده شكر، وإن لم ينل مراده فلا ينبغي أن يلح في الطلب؛ لأن الدنيا ليست لبلوغ الأغراض، وليقل لنفسه: ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) " انتهى من "صيد الخاطر" (ص 625 – 626) .

ثم دعاء المسلم كله خير فإن لم يعط ما سأله في الدنيا ربما دفع عنه من السوء مالا يعلمه؛ أو ربما ادخر له إلى يوم القيامة، فيحمد الله على ذلك.

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا ، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ  ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ:  اللَّهُ أَكْثَرُ  " رواه الترمذي (3573) وقال: "وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ "

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا  ، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: (اللهُ أَكْثَرُ)" رواه الإمام أحمد في "المسند" (17 / 213)، وقال الشيخ الألباني "حسن صحيح" كما في "صحيح الترغيب والترهيب" (2 / 278).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (229456)، ورقم : (5113) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب