الحمد لله.
اسم (الله) عَلَم على الذات الموصوفة بالصفات، ذاتيةً كانت، أو فعليةً.
وليس اسم (الله) للذات المجردة عن الصفات.
فإذا قال المسلم: الله ربي، فمعناه: أن ربه هو الذات العظيمة المتصفة بالعلم والكلام والرحمة والوجه واليدين وغير ذلك من الصفات.
هذا معنى ما قرأتِ، وهو واضح لا إشكال فيه، وهو معنى قول أهل العلم: أسماء الله أعلام وأوصاف، بخلاف أسماء غيره فإنها أعلام مجردة.
فاسم الله الرحيم، يدل على الذات المجردة، وعلى صفة الرحمة بالتضمن، ويدل على صفات أخرى باللزوم كالحياة والعلم والقدرة.
وهكذا يدل كل اسم من أسماء الله على ثلاثة أشياء.
وأما اسم الجلالة (الله) ، فهو أوسع الأسماء معنى ، وأشملها ، وسائر الأسماء والأوصاف: كالتبع والوصف له .
ولهذا يوصف (الله) بأنه الرحمن الرحيم كما في قوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وقوله: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الحشر/23، 24 .
قال ابن القيم رحمه الله: " والتحقيق: أن صفات الرب جل جلاله داخلة في مسمى اسمه، فليس اسمه الله، والرب، والإله: أسماءً لذاتٍ مجردة، لا صفة لها البتة، فإن هذه الذات المجردة وجودها مستحيل، وإنما يفرضها الذهن فرضَ الممتنعات، ثم يحكم عليها.
واسم " الله " سبحانه، " والرب، والإله " : اسم لذات لها جميع صفات الكمال، ونعوت الجلال، كالعلم، والقدرة، والحياة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، والبقاء، والقدم، وسائر الكمال الذي يستحقه الله لذاته، فصفاته داخلة في مسمى اسمه، فتجريد الصفات عن الذات، والذات عن الصفات: فرض، وخيال ذهني لا حقيقة له، وهو أمر اعتباري لا فائدة فيه، ولا يترتب عليه معرفة، ولا إيمان، ولا هو عِلم في نفسه، وبهذا أجاب السلف الجهميةَ، لما استدلوا على خلق القرآن، بقوله تعالى الله خالق كل شيء [الرعد: 16] ، قالوا: والقرآن شيء؟
فأجابهم السلف بأن القرآن كلامه، وكلامه من صفاته، وصفاته داخلة في مسمى اسمه، كعلمه وقدرته وحياته، وسمعه وبصره، ووجهه ويديه، فليس اللهُ اسما لذات لا نعتَ لها، ولا صفة، ولا فعل، ولا وجه، ولا يدين، ذلك إله معدوم مفروض في الأذهان، لا وجود له في الأعيان، كإله الجهمية، الذي فرضوه غير خارج عن العالم ولا داخل فيه، ولا متصل به ولا منفصل عنه، ولا محايث له ولا مباين، وكإله الفلاسفة الذي فرضوه وجودا مطلقا، لا يتخصص بصفة ولا نعت، ولا له مشيئة ولا قدرة ولا إرادة ولا كلام، وكإله الاتحادية الذي فرضوه وجودا ساريا في الموجودات ظاهرا فيها، هو عين وجودها، وكإله النصارى الذي فرضوه قد اتخذ صاحبة وولدا، وتدرع بناسوت ولده، واتخذ منه حجابا.
فكل هذه الآلهة، مما عملته أيدي أفكارها.
وإله العالمين الحق: هو الذي دعت إليه الرسل، وعرفوه بأسمائه وصفاته وأفعاله، فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه، موصوف بكل كمال، منزه عن كل نقص، لا مثال له، ولا شريك، ولا ظهير، ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم [الحديد: 3] غني بذاته عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه بذاته" انتهى من "مدارج السالكين" (3/ 337).
وقال رحمه الله: " وأما الإله: فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال، فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى، ولهذا كان القول الصحيح: أن الله أصله الإله، كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم، وأن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى" انتهى من "بدائع الفوائد" (2/ 249).
والله أعلم.
تعليق