الحمد لله.
الأعداد المجردة لا وجود لها إلا في الذهن
الأعداد المجردة عن المعدودات لا وجود لها إلا في الذهن، ونحن لم نصل من ما لا نهاية إلى الصفر أو غيره.
فما ذكرته عن الرياضيات: لا يريدون به أنه كذلك في واقع الأمر، بل هو أمر ذهني، افتراضي، محض.
فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الصفدية" (2/ 279): " إن هؤلاء المتفلسفة كثيرا ما يغلطون فيظنون ما هو موجود في الأذهان، موجودا في الخارج، مثل غلط أولهم، فيثاغورس وشيعته، في الأعداد المقارنة المطلقة المجردة، حيث ظنوا أنها تكون في الخارج مجردة عن المعدودات والمقدورات ".
وقال في "درء تعارض النقل مع العقل" (4/ 173): " وهذه المقادير المجردة، والأعداد المجردة: لا وجود لها إلا في الأذهان واللسان".
العالم المشاهد له بداية محددة
وإنما نحن، والعالم المشاهد كله: له بداية محددة، فقد خلق الله العرش، والقلم، ثم خلق السموات والأرض، كما قال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ هود/7.
وروى مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. قال: وعرشه على الماء .
هذا عن خلقنا، والعالم المشاهد من سماوات وأرض، مع اعتقادنا أن الله تعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه لم يكن معطلا عن الخلق، وأن من الجائز أن يكون قبل عالمنا عوالم، وقبلها عوالم، إلى ما لا نهاية له في الماضي، أي أنه سبحانه يخلق خلقا بعد خلق، وهو مسألة تسلسل الحوادث المشهورة.
قال ابن القيم رحمه الله: "الرب سبحانه كامل في أوصافه وأسمائه وأفعاله؛ فلا بد من ظهور آثارها في العالم، فإنه محسن ويستحيل وجود الإحسان بدون من يحسن إليه، ورزاق فلا بد من وجود من يرزقه، وغفار وحليم وجواد ولطيف بعباده ومنان ووهاب وقابض وباسط وخافض ورافع ومعز ومذل، وهذه الأسماء تقتضي متعلقاتٍ تتعلق بها، وآثارا تتحقق بها، فلم يكن بد من وجود متعلقاتها، وإلا تعطلت تلك الأوصاف، وبطلت تلك الأسماء، فتوسط تلك الآثار لا بد منه في تحقق معاني تلك الأسماء والصفات." انتهى من "شفاء العليل" (2/ 143).
وقال الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية سابقا:
" فإنه لغاية الآن لم يقم دليل على امتناع التسلسل في الآثار الموجودة في الخارج، وإن اشتهر أن التسلسل فيها محال، ولزوم حوادث لا أول لها لا يضر بالعقيدة؛ إلا إذا قلنا: لا أول لها، بمعنى لا أول لوجودها، وهذا مما لم يقل به أحد، بل الكل متفق على أن ما سوى الله تعالى، مما كان أو يكون: حادث، أي موجود بعد العدم، بقطع النظر عن أن تقف آحاده عند حد من جانبي الماضي والمستقبل، أو لا تقف عند حد من جانبيهما، أو من أحدهما.
ألا ترى أن الإجماع قام على أن نعيم الجنة لا يتناهى، ولا يقف عند حد في المستقبل، وبعد كونه حادثا بمعنى أنه موجود بعد العدم، لا يضرنا أن نقول: لا آخر له، بمعنى عدم انقطاع آحاده، وعدم وقوفها عند حد؛ ولو قلنا: إنه لا آخر لها بمعنى أن البقاء واجب لها لذاتها، لكان كفرا؟
فكذلك من جانب الماضي، نقول: حوادث لا أول لها، بمعنى أنها لا تقف آحادها عند حد تنتهي إليه، وكل واحد منها موجود بعد العدم، ولكنها لا تتناهى في دائرة ما لا يزال.
ولو قلنا: إنها لا أول لوجودها، ولا افتتاح له، لكان ذلك قولا بقدمها، وذلك كفر.
وعليك بكتابين: القول المفيد، وحواشي الخريدة" انتهى من حاشيته على "نهاية السول في "شرح منهاج الأصول" (2/ 103).
والله أعلم.
تعليق