الحمد لله.
أولًا : بول الكلب وروثه نجسان نجاسة مغلظة
بول الكلب وروثه نجسان نجاسة مغلظة ، وقد حكى بعض العلماء الإجماع على ذلك .
قال البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 234): " وقَد أَجمَعَ المُسلِمونَ على نَجاسَةِ بَولِها " انتهى.
وقد علق الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/ 52) على قول ابن عمر رضي الله عنهما: ( كانت الكلاب تقبل وتدبر زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك ) ، بقوله:
" ورُدَّ بأن البول مجمع على نجاسته، فلا يصلح حديث بول الكلاب في المسجد حجة يعارض بها الإجماع.
وأما مجرد الإقبال والإدبار فلا يدلان على الطهارة.
وأيضا: يحتمل أن يكون ترك الغسل لعدم تعيين موضع النجاسة، أو لطهارة الأرض بالجفاف.
قال المنذري: إنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها، ثم تقبل وتدبر في المسجد " انتهى.
ثانيا: كيفية تطهير النعل وغيره من بول الكلب وروثه
وأما كيفية تطهير النعل وغيره من بول الكلب وروثه، فقد اختلف العلماء في ذلك .
فقيل : يجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب ، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
وقيل: التسبيع خاص بالولوغ فقط، وهو قول لبعض الشافعية .
قال النووي في "روضة الطالبين" (1/ 32): " طَهَارَةُ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَوْ تَنَجَّسَ بِدَمِهِ، أَوْ بَوْلِهِ، أَوْ عَرَقِهِ، أَوْ شَعْرِهِ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَجْزَائِهِ وَفَضَلَاتِهِ: أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، إِحْدَاهُنَّ بِتُرَاب.
وَفِيمَا سِوَى الْوُلُوغِ: وَجْهٌ شَاذٌّ؛ أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ مَرَّةً، كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ" انتهى.
وأما مذهب الحنفية والمالكية فهم لا يقولون بالتتريب أصلاً، لا في الولوغ ولا في غيره.
واحتج من قال بالتسبيع في تطهير بول الكلب وروثه: بأنه إذا كان ريق الكلب نجسًا ، ويغسل منه الإناء سبعًا ، فإن بوله وروثه أخبث وأنتن من ريقه.
واحتج من قال بعدم التسبيع : بأن الأصل في النجاسات أن تغسل حتى تذهب عين النجاسة ، لا فرق في ذلك بين الدم والبول والسؤر النجس وغيرها من النجاسات ، وسواء كانت هذه النجاسة من الإنسان أو الحيوان ، وورد في النص النبوي وجوب التسبيع والتتريب من ولوغ الكلب خاصة ، وما كان ربك نسياً، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أُعطي جوامع الكلم، فلما خص الولوغ بهذه الأحكام دون سائر النجاسات، دل على اختصاصه بذلك.
وأما بوله وروثه فحكمه حكم سائر النجاسات، مثل بول الآدمي وغائطه ودم الحيض وغيره من النجاسات، وهو الغسل حتى تذهب عين النجاسة، ومن قال بوجوب غسلها سبعاً مع التراب؛ فعليه الدليل.
وقد يكون في الريق معنى لا يوجد في البول والدم وغيرهما، والله سبحانه وتعالى أعلم بما خلق، فقد يوجد في ريق الكلب نوع من الجراثيم لا يطهره إلا التراب، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن في أحد جناحي الذباب داء، وفي الآخر شفاء، مع تماثل الجناحين خِلْقَة، ومع ذلك لم يتماثلا حكماً، وكون ريق الكلب نجساً، وبوله نجساً لا يعني تماثلهما في طريقة التطهير، وانظر إلى بول الصبي وبول الجارية، فمع نجاستهما، لم يتحدا في التطهير، فإذا فارقت نجاسة من النجاسات غيرها في طريقة التطهير، قصرنا الحكم عليها حتى يوجد دليل صريح على تعدية الحكم إلى غيرها، ولا دليل على تعدية الحكم إلى بول الكلب وروثه وعرقه إلا القياس على ريقه، والقياس في مثل هذا ضعيف.
وينظر : "روضة الطالبين" (1/ 32)، و"الإنصاف" للمرداوي (1/ 310 - 312)، و"موسوعة أحكام الطهارة" للدبيان (13/ 672).
واختارت اللجنة الدائمة للإفتاء القول بعدم وجوب التسبيع في تطهير بول وروث الكلب ؛ فقالت: " الكلب نجس كله روثه وعرقه ولعابه، ويجب غسل ما لوثه من إناء وغيره بالماء حتى يطهر، أما اللعاب خاصة؛ فيجب غسل ما أصابه سبع مرات بالماء، إحداهن بالتراب، أو ما يقوم مقامه من المنظفات كالصابون وغيره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب خرجه مسلم في (صحيحه) " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (4 /197).
والحاصل :
أن بول الكلب وروثه حكمه حكم سائر النجاسات ، فالواجب في تطهيره أن يغسل حتى تزول النجاسة ، أما التسبيع فهو خاص بلعابه فقط كما في الحديث .
أما كيفية تطهير النعل من بول الكلب وروثه ومن سائر النجاسات، فقد سبق بيانه في موقعنا في جواب السؤال رقم : (286312).
ثالثا:
الأصل في الأشياء الطهارة ، واليقين لا يزول بالشك .
فلا يحكم بنجاسة النعل حتى تتيقن وجود النجاسة ، فإذا كانت النعل لا يوجد عليها أثر من النجاسة ، فلا يحكم بنجاستها ، وكونكم كنتم تسيرون مع هذا الرجل، أو خلفه، لا يلزم منه أن تتنجس نعالكم بنفس النجاسة التي داس عليها .
وينبغي على العبد ألا يفتح على نفسه باب الوساوس والشكوك، فإنها متى استمكنت أوشكت أن تفسد عليه أمر دينه ودنياه.
والله أعلم.
تعليق