الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1446 - 24 ديسمبر 2024
العربية

متى نزل قوله تعالى "والله يعصمك من الناس"؟

332200

تاريخ النشر : 01-06-2021

المشاهدات : 42341

السؤال

ما هي الفترة الزمنية بين نزول قوله تعالى والله يعصمك من الناس .. ووفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟ ما هي الفترة الزمنية بين نزول قوله تعالى "والله يعصمك من الناس" ووفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟

ملخص الجواب

كان نزول قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)  في العهد المدني من السيرة، وزمان نزولها ليس معيناً على وجه التحديد وجزم عامة أهل السير والمغازي أنها كانت قبل خيبر ولكنهم اختلفوا في زمنها. وينظر تفصيل أقوالهم في ذلك في الجواب المطول.

الحمد لله.

أولًا:

المراد بقوله تعالى "والله يعصمك من الناس..."

قال تعالى:  يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ .

قال الشيخ السعدي، رحمه الله: "هذا أمر من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأعظم الأوامر وأجلها، وهو التبليغ لما أنزل الله إليه، ويدخل في هذا كل أمر تلقته الأمة عنه صلى الله عليه وسلم، من العقائد والأعمال والأقوال، والأحكام الشرعية والمطالب الإلهية. فبلغ صلى الله عليه وسلم أكمل تبليغ، ودعا وأنذر، وبشر ويسر، وعلم الجهال الأميين حتى صاروا من العلماء الربانيين، وبلغ بقوله وفعله وكتبه ورسله.

فلم يبق خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرها عنه، وشهد له بالتبليغ أفاضل الأمة من الصحابة، فمن بعدهم من أئمة الدين ورجال المسلمين.

وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ أي: لم تبلغ ما أنزل إليك من ربك فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ أي: فما امتثلت أمره.

وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ هذه حماية وعصمة من الله لرسوله من الناس، وأنه ينبغي أن يكون حرصك على التعليم والتبليغ، ولا يثنيك عنه خوف من المخلوقين فإن نواصيهم بيد الله وقد تكفل بعصمتك، فأنت إنما عليك البلاغ المبين، فمن اهتدى فلنفسه، وأما الكافرون الذين لا قصد لهم إلا اتباع أهوائهم فإن الله لا يهديهم ولا يوفقهم للخير، بسبب كفرهم." انتهى من "تفسير السعدي" (239).

وانظر للفائدة حول الآية: (104825).

وقال "ابن كثير" (3/ 150): "وقوله: والله يعصمك من الناس أي: بلغ أنت رسالتي، وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول هذه الآية يحرس... 

والصحيح أن هذه الآية مدنية، بل هي من أواخر ما نزل بها، والله أعلم.

ومن عصمة الله عز وجل لرسوله: حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلا ونهارا، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة.

فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب، إذ كان رئيسا مطاعا كبيرا في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر: هابوه واحترموه، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرا.

ثم قيض الله عز وجل له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم -وهي المدينة، فلما صار إليها حموه من الأحمر والأسود، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء، كاده الله ورد كيده عليه، لما كاده اليهود بالسحر حماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء، ولما سم اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر، أعلمه الله به وحماه الله منه؛ ولهذا أشباه كثيرة جدا يطول ذكرها." انتهى.

ثانيًا:

متى نزل قوله تعالى "والله يعصمك من الناس"؟

كان نزول هذه الآية في العهد المدني من السيرة، قال "ابن كثير":

"والصحيح أن هذه الآية مدنية، بل هي من أواخر ما نزل بها، والله أعلم".

فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ:  "سَهِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ، لَيْلَةً، فَقَالَ: لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَامَ). رواه "مسلم" (2410).

قال "النووي" في شرحه "15/ 183): ""قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (والله يعصمك من الناس) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الِاحْتِرَاسَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالِانْصِرَافِ عَنْ حِرَاسَتِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ كَانَ فِي أَوَّلِ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَزْمَانٍ"، انتهى.

وروى "الترمذي" (3046) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ مِنَ القُبَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ).

وقد استظهر "ابن تيمية" في "منهاج السنة" (7/ 315 - 317). أن هذا كان قبل حجة الوداع، قال: "وَأَيْضًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67) ؛ فَضَمِنَ لَهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَعْصِمُهُ مِنَ النَّاسِ إِذَا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، لِيُؤَمِّنَهُ بِذَلِكَ مِنَ الْأَعْدَاءِ ; وَلِهَذَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ يُحْرَسُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَرَكَ ذَلِك.

وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ تَمَامِ التَّبْلِيغِ، وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ تَمَّ التَّبْلِيغُ.

.. فَتَكُونُ الْعِصْمَةُ الْمَضْمُونَةُ مَوْجُودَةً وَقْتَ التَّبْلِيغِ الْمُتَقَدِّمِ، فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ خَائِفًا مِنْ أَحَدٍ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْصَمَ مِنْهُ، بَلْ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهُمَا، كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ مُنْقَادِينَ لَهُ، لَيْسَ فِيهِمْ كَافِرٌ، وَالْمُنَافِقُونَ مَقْمُوعُونَ مُسِرُّونَ لِلنِّفَاقِ، لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُحَارِبُهُ، وَلَا مَنْ يَخَافُ الرَّسُولُ مِنْهُ؛ فَلَا يُقَالُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 67)." انتهى.

فعلى ذلك: يكون نزول هذه الآية قبل السنة العاشرة من الهجرة.

وذكر "السيوطي" في "الإتقان" (1/ 76)، و"ابن عقيلة" في "الزيادة والإحسان" (1/ 253)، أن هذه الآية نزلت في "غزوة ذات الرقاع".

و"وقد اختلف في تاريخ هذه الغزوة، فجزم عامة أهل المغازي والسير على أنها كانت قبل خيبر، ولكنهم اختلفوا في زمنها: 

فعند ابن إسحاق: أنها في شهر ربيع الآخر سنة أربع للهجرة، بعد غزوة بني النضير. 

وعند ابن سعد: أنها في المحرم سنة خمس للهجرة. 

وجزم أبو معشر على أنها بعد الخندق وبني قريظة. 

وذهب الإمام البخاري في صحيحه، والحافظ ابن حجر، والحافظ ابن كثير، وابن القيم: على أنها كانت بعد غزوة خيبر، وهو الصحيح". و"خيبر" في السنة " السابعة". انظر: "اللؤلؤ المكنون" للعازمي: (3/ 496)، (3/ 398).

واستبعده "ابن عاشور" في "التحرير والتنوير" (6/ 264).

وذكر "الصالحي" في "سبل الهدى والرشاد" (1/ 434)، (5/ 155) أن الآية نزلت في "عام تبوك"، و"تبوك" عام تسع.

وعليه؛ فإن نزول هذه الآية بين عام سبع وتسع من الهجرة، أي: قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث أو أربع سنين. 

فإن وفاته عليه الصلاة والسلام سنة إحدى عشر من الهجرة.

والحاصل: 

أن زمان نزول هذه الآية: ليس معينا على وجه التحديد، وإنما فيه ما سبق من الأقوال، ما بين عامي أربع، وتسع من الهجرة النبوية. 

الله أعلم. 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب