الحمد لله.
أولا:
إمامة النبي عليه الصلاة والسلام للأنبياء في بيت المقدس
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء في بيت المقدس، والأظهر أن ذلك كان بعد نزوله من السماء، ولهذا لم يحتج للسؤال عنهم، لأنه قد رآهم في السماوات وسأل عنهم وعرفهم، ولأنه قال: فحانت الصلاة فأممتهم ؛ أي حانت صلاة الفجر، والعروج كان في الليل.
قال ابن كثير في تفسيره (5/ 31): " وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ إِنَّمَا اجْتَمَعَ بِهِمْ فِي السَّمَاوَاتِ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَانِيًا وَهُمْ مَعَهُ، وَصَلَّى بِهِمْ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّهُ رَكِبَ الْبُرَاقَ، وَكَرَّ رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ" انتهى.
وهل صلى بجميع الأنبياء عليهم السلام، أم بجماعة منهم؟
الرواية المتفق على صحتها: أنه صلى بجماعة من الأنبياء، كما روى مسلم في صحيحه (172) من حديث أبي هريرة وفيه: ... وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّى فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَائِمٌ يُصَلِّى، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ – يَعْنِي : نَفْسَهُ - فَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ
وجاء عند أحمد أنه صلى بجميع الأنبياء، لكنه مختلف في صحته.
روى أحمد (2324) من حديث ابن عباس وفيه: "قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جِيءَ بِقَدَحَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَنِ الْيَمِينِ، وَالْآخَرُ عَنِ الشِّمَالِ، فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ، وَفِي الْآخَرِ عَسَلٌ، فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَشَرِبَ مِنْهُ، فَقَالَ: الَّذِي كَانَ مَعَهُ الْقَدَحُ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ".
والحديث ضعفه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند، وصححه ابن كثير في تفسيره، وأحمد شاكر.
ثانيا:
عالم الأرواح من الغيب
على فرض أنه صلى الله عليه وسلم صلى بجميع الأنبياء، فإن الصحيح أنه صلى بأرواحهم مُتصوِّرةً في صور أجسادهم، وعالم الأرواح من الغيب الذي لا نعلمه، والله قادر على كل شيء، فما الذي يمنع أن تجتمع مئات الآلاف من الأرواح في مكان لا يسع إلا مائة! بل ما الذي يمنع أن تجتمع الأجساد بهذا العدد في هذا المكان؟
أليس الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يأتي في ليلة من مكة إلى بيت المقدس ثم إلى السماء السابعة وما فوقها ثم يعود إلى بيته، قادرا على ذلك؟ الجواب: بلى.
فأمور الغيب لا يُتكلم فيها إلا بالوحي، فلو ثبت أنه صلى بجميع الأنبياء والمرسلين آمنا بذلك، ولم نلتفت لحال المكان هل يسع أم لا؟ لأن القدرة صالحة لهذا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما رؤيته – أي : رؤية موسى عليه السلام - ورؤية غيره من الأنبياء ليلة المعراج في السماء ، لما رأى آدم في السماء الدنيا، ورأى يحيى وعيسى في السماء الثانية، ويوسف في الثالثة، وإدريس في الرابعة، وهارون في الخامسة، وموسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة، أو بالعكس: فهذا رأى أرواحَهم مصوَّرة في صور أبدانهم.
وقد قال بعض الناس: لعله رأى نفس الأجساد المدفونة في القبور؛ وهذا ليس بشيء...
وأما كونه رأى موسى قائما يصلي في قبره، ورآه في السماء أيضا، فهذا لا منافاة بينهما؛ فإن أمر الأرواح من جنس أمر الملائكة، في اللحظة الواحدة تصعد وتهبط كالملك، ليست في ذلك كالبدن " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/328).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "والذي رآه في السماء من الأنبياء عليهم السلام : إنما هو أرواحهم، إلا عيسى ، فإنه رفع بجسده إلى السماء" انتهى من "فتح الباري" (2/ 113).
ولم يصح حديث في عدد الأنبياء والرسل، وينظر: جواب السؤال رقم:(110849).
والله أعلم.
تعليق