الحمد لله.
قول بعض الناس إذا أعجبه شيء: "يا صلاة النبي" : لا حرج فيه، وكرهه جماعة من أهل العلم كما سيأتي، وليس هو من الدعاء أو الاستغاثة الممنوعة، وكذا لو قيل: "يا صلاة على النبي"،
وقد كره جماعة من العلماء الإتيان بالصلاة عليه في هذا المقام.
قال القاضي عياض رحمه الله في "الشفا" (2/ 66): " وكره سَحنون الصلاة عليه عند التعجب، وقال: لا يصلى عليه إلا على طريق الاحتساب وطلب الثواب" انتهى.
وقال النفراوي: " وتكره عند التعجب والذبح والعطاس ، وعند البيع وفي الحمام وفي الخلاء وعند الجماع، وكذا كل موضع قذر، ممن نص على كراهة الصلاة عند التعجب سحنون...
ويلحق بالتعجب: الصلاة عليه عند الغضب، كأن يقال له عند الغضب: صل على محمد، خوفا من أن يحمله الغضب على الكفر، كما حكاه النووي في الأذكار عن بعضهم وأقره" انتهى من "الفواكه الدواني" (2/ 359).
والشرك يكون بدعاء غير الله، والدعاء طلب جلب النفع أو دفع الضرر، كأن يقول: يا رسول الله المدد أو أعني أو أغثني، أو يقول: يا رسول الله، في الشدة ونحوها قاصدا الاستغاثة به.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : بعض الناس عند الشدة : "يا محمد أو يا علي ، أو يا جيلاني" فما الحكم ؟
فأجاب: "إذا كان يريد دعاء هؤلاء والاستغاثة بهم فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة ، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يدعو الله وحده ، كما قال تعالى : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) النمل/62 ، وهو مع كونه مشركاً ، سفيه مضيع لنفسه ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) . وقال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/133) .
أما إذا لم يرد الدعاء والطلب، كأن يريد استحضار صورته وتذكره، كما لو قرأ حديثا فقال: صلى الله عليك يا رسول الله، أو ما أعظم وأجمل كلامك يا رسول الله، فهذا لا شيء فيه.
والظاهر ممن يقول هذا عند التعجب: أن الشيء الحسن المعجِب، يذكره بجمال الحبيب صلى الله عليه وسلم، فيصلي عليه لأجل ذلك، أو لأجل الإشارة إلى أن جماله، صلى الله عليه وسلم: أحلى وأعجب من هذا الشيء الحسن.
وعلى كل حال؛ فالذي ينبغي أن يعلّم هؤلاء: أن السنة في هذا المقام هي التبريك، أي الدعاء بالبركة، كما روى ابن ماجه (3509) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ .
وتمام الحديث كما عند أحمد (15550)، وابن ماجه (3509) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ، وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنْ الْجُحْفَةِ ، اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ ، وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ ، فَقَالَ : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ !! فَلُبِطَ سَهْلٌ .
فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ ؛ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ ؟
قَالَ : هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟
قَالُوا : نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ .
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ: عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: اغْتَسِلْ لَهُ ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ ، يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ ؛ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ".
والحديث صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
والحاصل:
أنه ليس من السنة أن يؤتى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية ما يعجب منه، وإنما يدعى بالبركة.
لكن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم تكن من السنة الواردة؛ إلا أنها مباحة، لا كراهة فيها، على ما قدمنا .
قال السيوطي، رحمه الله، في نهاية كلام له في تقرير ذلك: " فصل القول في ذلك : أن الصلاة عند التعجب لا تكره ، لعدم النهي. ولا تستحب، لعدم دليل على طلبها حينئذ؛ بل هي من الأمور المباحة .. " انتهى من "الحاوي للفتاوي" (1/300).
والله أعلم.
تعليق