الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

ما معنى (أو) في قوله تعالى: (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون)؟

345380

تاريخ النشر : 28-10-2021

المشاهدات : 9514

السؤال

ماهو المعنى الحقيقي لحرف ( أو ) في قوله تعالى (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) لأن الله عز و جل علام الغيوب، ولا يعجزه أن يذكر العدد الإجمالي؟

ملخص الجواب

إن (أو): في كلام الله جل جلاله لا تدل على الشك، فالشك لا مدخل له في خبر علام الغيوب.  واختلف العلماء في معنى "أو" في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصَّافَّاتِ: 147]، بعد اتفاقهم أنَّها ليست للشك. وينظر تفصيل هذه الأقوال في الجواب المطول  

الحمد لله.

أولًا:

حروف المعاني قد يكون لها أكثر من معنى

"أو" من حروف المعاني، وحروف المعاني قد يكون لها أكثر من معنى،

قال المرادي: " فإن قيل: ما معنى قولهم الحرف يدل على معنى في غيره؟

فالجواب: معنى ذلك أن دلالة الحرف على معناه الإفرادي، متوقفة على ذكر متعلَّقه، بخلاف الاسم والفعل؛ فإن دلالة كل منهما على معناه الإفرادي، غير متوقفة على ذكر متعلَّق ؛ ألا ترى أنك إذا قلت: الغلام، فُهِم منه التعريف، ولو قلت: (الـ) مفردةً، لم يُفهم منه معنى، فإذا قُرِن بالاسم أفاد التعريف.

وكذلك باء الجر فإنها لا تدل على الإلصاق حتى تضاف إلى الاسم الذي بعدها؛ لا أنه يتحصل منها مفردة.

وكذلك القول في سائر الحروف." انتهى من "الجنى الداني في حروف المعاني" لابن قاسم المرادي (22).

ثانيًا:

معني "أو" في اللغة

"لـ "أو" عدة معانٍ، منها:

الأول: الشك. نحو: قام زيد أو عمرو.

الثاني: الإبهام. نحو (وإنا أو إياكم لعلى هدى).

والفرق بينهما أن الشك من جهة المتكلم، والإبهام على السامع.

الثالث: التخيير. نحو: خذ دينارًا أو ثوبًا.

الرابع: الإباحة. نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين.

والفرق بينهما جواز الجمع في الإباحة، ومنع الجمع في التخيير.

الخامس: التقسيم. نحو: الكلمة اسم أو فعل أو حرف.

السادس: الإضراب. كقوله تعالى: (وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون). قال الفراء: أو هنا بمعنى بل.

السابع: معنى الواو.

الثامن: معنى ولا". انظر: " الجنى الداني في حروف المعاني" (227 - 230)، بتصرف يسير.

ثالثًا:

خلاف العلماء في معنى "أو" في قوله تعالى (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون)

اختلف العلماء في معنى "أو" في قوله تعالى: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصَّافَّاتِ: 147]، بعد اتفاقهم أنَّها ليست للشك.

وحكى أقوالهم الإمام "ابن كثير" (1/ 305 - 306)، فقال:

"اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً بعدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِحَالَةِ كَوْنِهَا لِلشَّكِّ:

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: "أَوْ" هَاهُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، تَقْدِيرُهُ: فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ وَأَشَدُّ قَسْوَةً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [الْإِنْسَانِ: 24]، وَكَمَا قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِي:

قَالَتْ أَلَا لَيْتَمَا هَذَا الحمامُ لَنَا... إِلَى حَمامتنا أَوْ نِصفُه فَقدِ

تُرِيدُ: وَنِصْفُهُ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ:

نَالَ الخِلافَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا... كَمَا أَتَى ربَّه مُوسى عَلَى قَدَرِ

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي نَالَ الْخِلَافَةَ، وَكَانَتْ لَهُ قَدْرًا.

وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ قَوْلًا: أَنَّهَا لِلتَّخْيِيرِ فِي مَفْهُومِهَا بِهَذَا أَوْ بِهَذَا، مِثْلَ جَالِسِ الْحَسَنَ أَوِ ابْنَ سِيرِينَ، وَكَذَا حَكَاهُ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ، وَزَادَ قَوْلًا آخَرَ وَهُوَ: أَنَّهَا لِلْإِبْهَامِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَكَلْتُ خُبْزًا أَوْ تَمْرًا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَيُّهُمَا أَكَلَ.

وَقَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهَا بِمَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: أَكْلِي حُلْوٌ أَوْ حَامِضٌ، أَيْ: لَا يَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَيْ: وَقُلُوبُكُمْ صَارَتْ فِي قَسْوَتِهَا كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً مِنْهَا، لَا يَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ آخَرُونَ: "أَوْ" هَاهُنَا بِمَعْنَى بَلْ، تَقْدِيرُهُ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ بَلْ أَشَدُّ قَسْوَةً، وَكَقَوْلِهِ: إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً [النِّسَاءِ: 77] وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصَّافَّاتِ: 147] فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [النَّجْمِ: 9].

وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً: عِنْدَكُمْ. حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْإِبْهَامُ عَلَى المخاطب، كما قال أبو الأسود:

أُحِبُّ مُحَمَّدًا حُبا شَدِيدًا... وعبَّاسا وحمزةَ وَالْوَصِيَّا

فَإِنْ يَكُ حُبّهم رَشَدًا أُصِبْهُ... وَلَسْتُ بِمُخْطِئٍ إِنْ كَانَ غَيَّا

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قَالُوا: وَلَا شَكَّ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ لَمْ يَكُنْ شَاكًّا فِي أَنَّ حُبّ مَنْ سَمَّى رَشَدٌ، وَلَكِنَّهُ أَبْهَمَ عَلَى مَنْ خَاطَبَهُ، قَالَ: وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ قِيلَ لَهُ: شَكَكْتَ؟ فَقَالَ: كَلَّا وَاللَّهِ. ثُمَّ انْتَزَعَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ؛ فقال: أوَ كان شَاكًّا مَنْ أَخْبَرَ بِهَذَا فِي الْهَادِي مِنْهُمْ مَنِ الضَّلَالِ؟

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَقُلُوبُكُمْ لَا تَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِثْلَ الْحِجَارَةِ فِي الْقَسْوَةِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَشَدَّ مِنْهَا قَسْوَةً.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: فَبَعْضُهَا كَالْحِجَارَةِ قَسْوَةً، وَبَعْضُهَا أَشَدُّ قَسْوَةً مِنَ الْحِجَارَةِ. وَقَدْ رَجَّحَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مَعَ تَوْجِيهِ غَيْرِهِ.

قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ يَبْقَى شَبِيهًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [الْبَقَرَةِ: 17] مَعَ قَوْلِهِ: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ [الْبَقَرَةِ: 19] وَكَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ [النُّورِ: 39] مَعَ قَوْلِهِ: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ [النُّورِ: 40]، الْآيَةَ أَيْ: إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ هَكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ هَكَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ"، انتهى.

وقال الإمام الطبري: "يقول تعالى ذكره: فأرسلنا يونس إلى مائة ألف من الناس، أو يزيدون على مائة ألف، وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول: معنى قوله أو: بل يزيدون".

انظر: "تفسير الطبري" (19/ 637).

قال "مكي": "ثم قال (تعالى): وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ.

قال أبو عبيدة: أو هنا بمعنى بل. ومثله عنده: سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات: 52] أي:

بل مجنون، فليست أو للشك في هذا، إنما هي (بمعنى) بل، وهو قول الفراء.

وروي عن ابن عباس ذلك.

وقال القتبي: أو بمعنى الواو.

وقال المبرد: أو على بابها. والمعنى: وأرسلناه إلى جماعة لو رأيتموهم لقلتم: هم مائة ألف أو يزيدون على ذلك.

فخوطب العباد بما يعرفون.

وقيل: أو على بابها لكنه بمنزلة قولك: جاءني زيد أو عمرو، (و) أنت تعرف من جاءك منهما، إلا أنك أبهمت على المخاطب.

وقيل: " أو " للإباحة.

قال ابن عباس: / كانوا مائة ألف وثلاثين ألفًا".

"الهداية إلى بلوغ النهاية" (9/ 6169 - 6170).

وقال "ابن القيم":

"فائدة

"أو" وُضعت للدلالة على أحد الشيئين المذكورين معها، ولذلك وقعت في الخبر المشكوك فيه، من حيثُ كان الشكُّ ترددًا بين أمرين من غير ترجيح لأحدهما على الآخر، لا أنها وُضِعت للشكِّ؛ فقد تكون في الخبر الذي لا شك فيه إذا أبهمتَ على المخاطب ولم تقصد أن تُبيِّن له، كقوله سبحانه: إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات: 147]، أي: إنهم من الكثرة بحيث يقال فيهم: هم مئة ألف أو يزيدون، فـ "أو" على بابها دالَّة على أحد الشيئين؛ إما مئة ألف بمجردها، وإما مئة ألف مع زيادة، والمخبِر في كل هذا لا يشك"، "بدائع الفوائد" (1/ 345).

والحاصل: 

أن (أو): في كلام الله جل جلاله لا تدل على الشك، فالشك لا مدخل له في خبر علام الغيوب، وليس هذا المعنى بلازم لها في جميع مواردها، ولا هو أصل موضوعها أيضا عند بعض من المحققين. 

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب