الحمد لله.
أولا:
هل يثبت لله صفة المس؟
صفات الله تعالى توقيفية، فلا يثبت منها إلا ما جاء به النص، وقد ورد عن بعض السلف إثبات المس، منهم ميسرة أبو صالح مولى كندة، وحكيم بن جابر، وعكرمة مولى ابن عباس، وخالد بن معدان، ومحمد بن كعب القرظي.
وورد في السنة المرفوعة إثبات المسح، كما روى أحمد (2270) والترمذي (3076) عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ... .
قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال محققو المسند: حسن لغيره.
وروى أحمد (311)، وأبو داود (4703)، والترمذي (3075): " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ الْآيَةَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ. وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ ؛ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ .
والحديث قال عنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: صحيح لغيره.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى كما في "مختصر الصواعق المرسلة" (2/171): "وورد لفظ اليد في القرآن والسُّنَّة، وكلام الصحابة والتابعين: في أكثر من مئة موضع، وروداً متنوعاً، متصرفاً فيه، مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقية، من الإمساك والطي والقبض والبسط... وأنه مسح ظهر آدم بيده." انتهى.
وعن حكيم بن جابر الأحمسي (ت82هـ) قال: "أُخبرت أن ربكم عز وجل لم يمس بيده إلا ثلاثة أشياء: غرس الجنة بيده، وخلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده".
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (13/96)، وعبد الله بن أحمد في "السنة" (1/295) وليس فيه ذكر المس، والآجري في "الشريعة" (3/1183) برقم757، وابن بطة في "الإبانة" (3/306)، وصححه الذهبي في "إثبات اليد"، ص21، وفي "الأربعين في صفات رب العالمين برقم (77)، والألباني في "مختصر العلو"، ص130.
وصح إثبات المس عن جماعة آخرين من التابعين: ميسرة أبي صالح مولى كندة، ومحمد بن كعب القرظي، وكعب الأحبار، وعكرمة مولى ابن عباس، وخالد بن معدان.
وينظر: "نقض الدارمي على المريسي"، ت: منصور السماري، ص98-100، "الشريعة" للآجري (3/1183-1185)، "إثبات اليد"، للذهبي، رقم17، 35، 36، 39
قال الإمام الدارمي رحمه الله: "وولي خلق آدم بيده مسيسا، لم يخلُق ذا روح بيديه غيره، فلذلك خصه وفضله وشرف بذلك ذكره؟" انتهى من "نقض الدارمي على المريسي" ص 64
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يحكي مذهب هؤلاء السلف ويقره، كما سيأتي.
ثانيا:
هل يثبت لله صفة التذوق؟
وأما التذوق، فلا يوصف الله به لعدم ثبوته.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وأما قول القائل: أنه لو قيل لهم أيما أكمل؟ ذات توصف بسائر أنواع الإدراكات من الذوق والشم واللمس، أم ذات لا توصف بها؟ لقالوا: الأول أكمل؛ ولم يصفوه بها؟
فنقول: مثبتة الصفات لهم في هذه الإدراكات ثلاثة أقوال معروفة:
أحدها: إثبات هذه الإدراكات لله تعالى، كما يوصف بالسمع والبصر. وهذا قول القاضي أبي بكر وأبي المعالي، وأظنه قول الأشعري نفسه، بل هو قول المعتزلة البصريين الذين يصفونه بالإدراكات، وهؤلاء وغيرهم يقولون: تتعلق به الإدراكات الخمسة أيضاً، كما تتعلق به الرؤية. وقد وافقهم على ذلك القاضي أبو يعلى في المعتمد وغيره.
والقول الثاني: قول من ينفي هذه الثلاثة، كما ينفي ذلك كثير من المثبتة أيضاً من الصفاتية وغيرهم. وهذا قول طوائف من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد، وكثير من أصحاب الأشعري وغيره.
والقول الثالث: إثبات إدراك اللمس دون إدراك الذوق؛ لأن الذوق إنما يكون للمطعوم؛ فلا يتصف به إلا من يأكل، ولا يوصف به إلا ما يؤكل؛ والله سبحانه منزه عن الأكل، بخلاف اللمس، فإنه بمنزلة الرؤية.
وأكثر أهل الحديث يصفونه باللمس، وكذلك كثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ولا يصفونه بالذوق.
وذلك أن نفاة الصفات، من المعتزلة قالوا للمثبتة: إذا قلتم إنه يُرى، فقولوا إنه يتعلق به سائر أنواع الحس، وإذا قلتم إنه سميع بصير؛ فصفوه بالإدراكات الخمسة.
فقال أهل الإثبات قاطبة: نحن نصفه بأنه يُرى، وأنه يُسمع كلامه، كما جاءت بذلك النصوص. وكذلك نصفه بأنه يَسمع، ويَرى.
وقال جمهور أهل الحديث والسنة: نصفه أيضاً بإدراك اللمس؛ لأن ذلك كمال لا نقص فيه، وقد دلت عليه النصوص؛ بخلاف إدراك الذوق، فإنه مستلزم للأكل، وذلك مستلزم للنقص، كما تقدم. وطائفة من نظار المثبتة وصفوه بالأوصاف الخمس، من الجانبين." انتهى من "مجموعة الرسائل والمسائل" (5/ 76).
والله أعلم.
تعليق