الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

منزلة أمهات المؤمنين في الجنة

350824

تاريخ النشر : 15-08-2022

المشاهدات : 10502

السؤال

سؤالي هو بسبب موضوع غريب قرأته، ويطرح أن أمهات المؤمنين خير من الصحابة أجمعين؛ لأنهن في منزلة النبي في الجنة، وأن عائشة رضي الله عنها خير من أبيها، وحفصة رضي الله عنها خير من أبيها، وكذلك أنهن خير من فاطمة بنت النبي؛ لأنها في منزلة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مع معرفتي أن علماء الأمة متفقون أن فاطمة الزهراء خير من أمهات المؤمنين إلا أمها خديجة وعائشة، فقد حدث خلاف شهير على ذلك لكن أفضليتها على باقي أمهات المؤمنين عداهما محسومة، فهل هذا يعني أن زوجات أبي بكر وعمر بن الخطاب خير من فاطمة؛ لأن منزلة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب أعلى من علي بن أبي طالب؟ وهل بهذا أمهات المؤمنين خير من الصحابة كلهم وخاصة الخلفاء الراشدين الأربعة؟ يعني هل خديجة وعائشة رضي الله عنهما خير من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟ وكيف يتحقق العدل لو كانت الزوجة في مرتبة ما خير من الزوجات ممن أعلاها مثل فاطمة الزهراء؟ وهل يمكن للذرية المتزوجة لقاء والديهم الأعلى منزلة، والصعود لهم ،أما اللحاق فقد يخص من لم يبلغ ويتزوج؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

أهل العلم في مسألة الخيرية يقدمون الخلفاء الأربعة على سائر الصحابة، ومنهم أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن.

قال ابن القطان رحمه الله تعالى:

" وأجمعوا على أن خير الصحابة أهل بدر، وخير أهل بدر العشرة، وخير العشرة الأئمة الأربعة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضوان الله عليهم " انتهى من"الإقناع"(1/58).

لكن لا يلزم من هذا أن تكون منزلة أمهات المؤمنين في الجنة أدنى من مرتبة هؤلاء الصحابة؛ لأن المراتب العالية في الجنة لا يدركها العبد بعمله فقط، بل يدركها العبد المسلم بالشفاعة، وبكرم الله تعالى عليه، مثل ما ورد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ رواه ابن ماجه (3660) وحسّنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (4/129).

ومن ذلك إلحاق الزوجة بزوجها إذا كان في مرتبة عالية شريفة.

كما ورد في حديث : أَيُّمَا امْرَأَةٍ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ فَهِيَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/275)، وصححه الألباني بمجموع طرقه وشواهده في "السلسلة الصحيحة" (3/275).

ولهذا ستكون أمهات المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرتبته التي تعلو مرتبة سائر الأنبياء والصديقين والصالحين.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" ثم ذكر عدله وفضله في قوله: ( وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ )، أي: يطع الله ورسوله ويستجب ( نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) أي: في الجنة، فإنهن في منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أعلى عليين، فوق منازل جميع الخلائق، في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/408).

ثانيا:

ارتفاع منزلة المرأة في الجنة - بسبب زوجها – على منازل من كان أعلى منها إيمانا في الدنيا، هذا كله من فضل الله تعالى، فالله لا يظلم أحدا من خلقه، فلا ينقص من منزلة أحد في الجنة.

قال الله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ الطور/21.

لكن قد يتفضل الله تعالى على بعض خلقه بما يشاء، وهذا لا يخرج عن العدل، إنما هذا من باب الفضل؛ وفضل الله يؤتيه من يشاء، سبحانه، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه.وقد روى البخاري (5021) عن ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ، وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى العَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنَ العَصْرِ إِلَى المَغْرِبِ بِقِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً!

قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَذَاكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ شِئْتُ

.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(220421). 

ثالثا:

وأما مسألة إلحاق الذرية بآبائهم، فقد اختلف أهل العلم في ذلك : هل المراد بالذرية هنا: الصغار من الأبناء، أم المراد بهم جميعهم.

والراجح في ذلك: أن المراد بالذرية: الصغار من الأبناء، الذين لم يجر عليهم القلم، فهم الذين يحلقون بمنازل آبائهم في الجنة.

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله:

"وقد اختلف المفسرون في " الذرية " في هذه الآية ، هل المراد بها : الصغار ، أو الكبار ، أو النوعان ، على ثلاثة أقوال . ...." .

ثم قال :" واختصاص " الذرية " ههنا بالصغار : أظهر ؛ لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في الدرجات ، ولا يلزم مثل هذا في الصغار ؛ فإن أطفال كل رجل وذريته معه في درجته ، والله أعلم " انتهى .

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم:(121192). 

وينظر أيضا للفائدة: جواب السؤال رقم:(107781)، ورقم:(126349). 

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب