الاثنين 17 جمادى الأولى 1446 - 18 نوفمبر 2024
العربية

تفسير قول الله تعالى: (والرجز فاهجر).

364607

تاريخ النشر : 17-01-2022

المشاهدات : 11601

السؤال

قال تعالى : (والرجز فاهجر)، فما نوع العلاقة التي كانت بين الرسول صلى الله عليه وسلم والأصنام قبل النبوة؛ لأنه حسب معرفتي إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعبد الأصنام حتى قبل النبوة؟

الحمد لله.

أولًا :

قوله تعالى: (والرجز فاهجر) من أوائل ما نزل من القرآن

هذه الآيات من أوائل ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم،  فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: ( "بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني".

فأنزل الله تعالى: يا أيها المدثر. قم فأنذر [المدثر: 2] إلى قوله والرجز فاهجر [المدثر: 5]. فحمي الوحي وتتابع ) رواه البخاري(4)، ومسلم(161).

ثانيًا :

لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم لصنم أبداً

لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم لصنم قط، ولم يكن على دين قومه، وعصمته من الشرك والكفر قبل بعثته ونزول الوحي إليه ثابتة "فقد دلت النصوص الثابتة على أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم - منذ نشأته - من الكفر والشرك؛ فلم يُعهد عنه صلى الله عليه وسلم أنه سجد لصنم أو استلمه، أو غير ذلك من أمور الشرك التي كان يفعلها قومه.

فقد فطره الله على معرفته، والاتجاه إليه وحده، وهذا هو المعلوم من سيرته.

فمن النصوص التي يستدل بها على هذا الأمر ما يلى:

حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعنى ظئره - فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك الخيط في صدره".

فالحديث نص على إخراج جبريل لحظ الشيطان منه صلى الله عليه وسلم وتطهيره لقلبه فلا يقدر الشيطان على إغوائه إذ لا سبيل له عليه، وهذا دليل على تنزيهه من الشرك منذ صغره صلى الله عليه وسلم.

وعن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال: كان صنم من نحاس يقال له إساف أو نائلة يتمسح به المشركون إذا طافوا، فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت معه، فلما مررت مسحت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمسه، فقال زيد: فطفت فقلت في نفسي لأمسنه حتى أنظر ما يكون فمسحته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تُنْهَ؟، قال زيد: فوالذى هو أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما استلم صنما حتى أكرمه الله بالذي أكرمه وأنزل عليه".

وهذا الحديث نص في بعده صلى الله عليه وسلم عن عبادة الأوثان التي كان عليها أهل مكة فنهيه لزيد - الذي كان ابنه بالتبني في ذلك الحين - يؤكد نفرته صلى الله عليه وسلم من تلك الأوثان التي كان يعكف عليها أهل مكة.

كما عصم صلى الله عليه وسلم من الحلف بأسماء تلك الأصنام التي كان يعبدها قومه ويحلفون بها تعظيما لها، فقد جاء في قصة بحيرى الراهب أنه استحلف النبي صلى الله عليه وسلم باللات والعزى حينما لقيه بالشام في سفرته مع عمه أبي طالب وهو صبي، لما رأى فيه علامات النبوة، فقال بحيرى للنبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسألني باللات والعزى شيئا؛ فوالله ما أبغضت بغضهما شيئا قط".

والنصوص في مثل هذا كثيرة، وقد عني بجمعها من ألف في دلائل النبوة مثل الحافظ أبي نعيم الأصبهاني، فقد عقد فصلا في كتابه دلائل النبوة بعنوان: "ذكر ما خصه الله عز وجل به من العصمة وحماه من التدين بدين الجاهلية ... "، وقد أورد تحت هذا العنوان العديد من الأحاديث والشواهد في هذا الشأن.

وكذلك فعل البيهقي في دلائل النبوة أيضا فعقد عنوانا لهذا الموضوع فقال:

"باب ما جاء في حفظ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في شبيبته عن أقذار الجاهلية ومعائبها، لما يريده به من كرامته برسالته حتى يبعث رسولا".

ومثلهما السيوطي في الخصائص الكبرى حيث قال: "باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بحفظ الله إياه في شبابه عما كان فيه أهل الجاهلية"" انتهى.

انظر : " حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة" (1/ 134 - 137).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(317529).

ثالثًا :

من معاني الرجز

"الرجز" الأوثان، وقد أُمر عليه السلام أن يهجرها، قال ابن زيد: "الرجز آلهتهم التي كانوا يعبدون، (أمره الله) أن يهجرها فلا يأتيها ولا يقربها".

"الهداية الى بلوغ النهاية" (12/ 7819).

ولا يلزم أن يكون هناك تلبس بعبادة أو نحو هذا من الأمر بالهجر، بل الأمر حاصل للتأكيد على دوام هجرها، والابتعاد عنها، وعن أهلها .

وفيه أمر لسائر الناس بالابتعاد عنها كذلك، ونبذها، ونبذ أهلها .

قال "ابن كثير" : " وَقَوْلُهُ: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَالرُّجْزَ وَهُوَ الْأَصْنَامُ، فَاهْجُرْ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ: إِنَّهَا الْأَوْثَانُ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ، وَالضَّحَّاكُ: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ أَيِ: اتْرُكِ الْمَعْصِيَةَ.

وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ تَلَبُّسُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ [الْأَحْزَابِ: 1]، وَقَالَ مُوسَى لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [الْأَعْرَافِ: 142] ."، انتهى .

تفسير ابن كثير ت سلامة (8/ 264).

وقال القاسمي" : " وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، وهو بريء منه، إما أمر لغيره تعريضا، أو المراد الدوام على هجره"انتهى من "محاسن التأويل" (9/ 352).

على أنهم ذكروا أيضا للرجز معاني أخر، سوى عبادة الأوثان.

قال الرازي: "ذكروا في الرجز وجوهًا :

الأول: قال القتبي: الرجز العذاب، قال الله تعالى : ( لئن كشفت عنا الرجز ) [الأعراف: 134] أي العذاب، ثم سمي كيد الشيطان رجزًا، لأنه سببٌ للعذاب، وسُميت الأصنام رجزا لهذا المعنى أيضًا.

فعلى هذا القول: تكون الآية دالة على وجوب الاحتراز عن كل المعاصي.

ثم على هذا القول احتمالان:

أحدهما: أن قوله: والرجز فاهجر؛ يعني: كل ما يؤدي إلى الرجز فاهجره، والتقدير: وذا الزجر فاهجر؛ أي ذا العذاب، فيكون المضاف محذوفا.

والثاني: أنه سمى ما يؤدي إلى العذاب عذابا؛ تسمية للشيء باسم ما يجاوره ويتصل به.

القول الثاني: أن الرجز اسم للقبيح المستقذَر، وهو معنى الرجس، فقوله: (والرجز فاهجر): كلام جامع في مكارم الأخلاق، كأنه قيل له: اهجر الجفاء والسفه وكل شيء قبيح، ولا تتخلق بأخلاق هؤلاء المشركين المستعملين للرجز"انتهى من"تفسير الرازي" (30/ 699).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب