الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل كلام الله بحرف وصوت؟ِ

384489

تاريخ النشر : 26-02-2023

المشاهدات : 15858

السؤال

أريد أن أستفسر منكم عن نوع صفة الكلام في قوله صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه وتعالى: ( فينادي، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له )، فهل هذا النداء من الكلام النفسي أم هو بحرف وصوت؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

معتقد أهل السنة في كلام الله تعالى: أنه يتكلم متى شاء، وكلامه بحرف وصوت يُسمع، ومن كلامه الذي تكلم به سبحانه: القرآن الكريم، سمعه منه جبريل عليه السلام، وسمعه من جبريل محمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن حروف وجمل وكلمات.

قال البخاري رحمه الله في إثبات الصوت: "وأن الله عز وجل ينادي بصوت يسمعه من بعُد كما يسمعه من قرب، فليس هذا لغير الله جل ذكره.

قال أبو عبد الله: وفي هذا دليل على أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق؛ لأن صوته جل ذكره يسمع من بعد كما يسمع من قرب وأن الملائكة يصعقون من صوته، فإذا تنادى الملائكة لم يَصعقوا" انتهى من "خلق أفعال العباد"، للبخاري، ص149.

وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: " ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة، وسمعه جبريل عليه السلام، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه، قال الله تعالى: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) [النساء: 164] وقال سبحانه: (يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي) [الأعراف: 144] وقال سبحانه: (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ) [البقرة: 253] وقال سبحانه: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) [الشورى: 51] وقال سبحانه: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى - إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) [طه: 11 - 12] وقال سبحانه: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) [طه: 14] وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء "، روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراة حفاة غرلا بهما فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان، رواه الأئمة واستشهد به البخاري" انتهى من "لمعة الاعتقاد" ص15.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " قول الجمهور وأهل الحديث وأئمتهم: إن الله تعالى لم يزل متكلما إذا شاء وأنه يتكلم بصوت كما جاءت به الآثار، والقرآن وغيره من الكتب الإلهية كلام الله تكلم الله به بمشيئته وقدرته ليس ببائن عنه مخلوقا. ولا يقولون إنه صار متكلما بعد أن لم يكن متكلما " انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/173).

وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في "شرح الطحاوية" (1/174): " أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة" انتهى.

ثانيا

وأما الكلام النفسي: فبدعة وضلالة، اخترعه الأشاعرة، ثم تبعهم عليه من تبعهم، والمنصفون منهم يقرون: أن الأشاعرة هم أول من اخترع ذلك، وانفردوا به.

قال الرازي، وهو يقرر فكرة انفراد الأشاعرة بهذه المقولة: " اتفق الملسمون على إطلاق لفظ المتكلم على الله تعالى، ولكنهم اختلفوا في معناه .. " .

ثم قال: " .. الإجماع ليس إلا على اللفظ ؛ أما المعنى الذي يقوله به أصحابنا: فهو غير مجمع عليه؛ بل لم يقل به أحد إلا أصحابنا " . انتهى، من "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين" (ص172-174) .

وهي خيال تخيله أصحابه لأنهم يزعمون أن هذا الكلام النفسي لا يتبعض، وأنه يستوي فيه الأمر والنهي والخبر والاستخبار، ويزعمون أن موسى عليه السلام سمعه، مع أنه لم يكن هناك حرف، ولا صوت!

ويلزمهم أنه سمع كل كلام الله لأنهم لا يقولون بتبعضه!

ويزعمون أن هذا الكلام النفسي إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة؛ وهذا يلزم منه اتحاد القرآن والتوراة، وأنه لو ترجمت التوراة إلى العربية كانت قرآنا، وحسبك من شَرٍّ سماعه!

قال ابن قدامة رحمه الله: " وزعمت فرقة من المبتدعة: أنه لا صيغة للأمر، بناء على خيالهم: أن الكلام معنى قائم بالنفس؛ فخالفوا الكتاب والسنة وأهل اللغة والعرف:

أما الكتاب:

فإن الله -تعالى- قال لزكريا: (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا، فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) فلم يسم إشارته إليهم كلامًا.

وقال لمريم: (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) فالحجة فيه مثل الحجة في الأول.

وأما السنة:

فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله عفا لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم أو تعمل به).

وقال لمعاذ: (أمسك عليك لسانك" قال: وإنا لمؤاخذون بما نقول؟ قال: "ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)، وقال: (إذا قال الإمام وَلا الضَّالِّين فَقًُولُوا: آمين) ولم يرد بذلك ما في النفس.

وأما أهل اللسان:

فإنهم اتفقوا -عن آخرهم- على أن الكلام: اسم، وفعل وحرف.

واتفق الفقهاء -بأجمعهم- على أن من حلف لا يتكلم، فحّدث نفسه بشيء دون أن ينطق بلسانه: لم يحنث، ولو نطق: حنث.

وأهل العرف -كلهم- يسمون الناطق: متكلمًا، ومن عداه: ساكتًا، أو أخرس.

ومن خالف كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإجماع الناس كلهم -على اختلاف طبقاتهم- فلا يعتد بخلافه " انتهى من "روضة الناظر" (1/ 543- 546).

وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في "شرح الطحاوية" (1/197): وقوله: (وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية). رده على المعتزلة وغيرهم بهذا القول ظاهر.

وفي قوله: (بالحقيقة) رد على من قال: إنه معنى واحد قام بذات الله، لم يسمع منه، وإنما هو الكلام النفساني؛ لأنه لا يقال لمن قام به الكلام النفساني ولم يتكلم به: إن هذا كلام حقيقة، وإلا للزم أن يكون الأخرس متكلما، ولزم أن لا يكون الذي في المصحف عند الإطلاق هو القرآن، ولا كلام الله، ولكن عبارة عنه ليست هي كلام الله، كما لو أشار أخرس إلى شخص بإشارة فهم بها مقصوده، فكتب ذلك الشخص عبارته عن المعنى الذي أوحاه إليه ذلك الأخرس، فالمكتوب هو عبارة ذلك الشخص عن ذلك المعنى. وهذا المثل مطابق غاية المطابقة لما يقولونه، وإن كان الله تعالى لا يسميه أحد أخرس، لكن عندهم أن الملَك فَهِم منه معنى قائما بنفسه، لم يسمع منه حرفا ولا صوتا، بل فهم معنى مجردا، ثم عبر عنه، فهو الذي أحدث نظم القرآن وتأليفه العربي، أو أن الله خلق في بعض الأجسام، كالهواء الذي هو دون الملك هذه العبارة.

ويقال لمن قال إنه معنى واحد: هل سمع موسى عليه السلام جميع المعنى أو بعضه؟ فإن قال: سمعه كله، فقد زعم أنه سمع جميع كلام الله، وفساد هذا ظاهر. وإن قال: بعضه، فقد قال يتبعض. وكذلك كل من كلمه الله أو أنزل إليه شيئا من كلامه. ولما قال تعالى للملائكة: (إني جاعل في الأرض خليفة) [البقرة: 30] ولما قال لهم: (اسجدوا لآدم} [البقرة: 34] وأمثال ذلك: هل هذا جميع كلامه أو بعضه؟ فإن قال: إنه جميعه، فهذا مكابرة، وإن قال: بعضه، فقد اعترف بتعدده" انتهى.

وينظر جواب السؤال (228435)

والله أعلم.

الأسماء والصفات

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب