الحمد لله.
العين صفة ثابتة لله
العين صفة ثابتة لله تعالى، وهي صفة ذاتية يتأتى بها الرؤية، فمن فسر الآيات المذكورات بأن المعنى: بمرأى منا، أو بمرأى من أعيننا، فقد أصاب ولم يقع في تأويل ولا تجسيم وبيان ذلك:
1-أن من قال: "بمرأى من أعيننا" فقد أثبت العين، ولم يتأول. ومن قال: "بمرأى منا": فقد فسر الصفة باللازم، وهذا ليس تأويلا، فهو يثبت العين، ويثبت لازمها وهو حصول الرؤية.
وهذا دليل على أن السلف يفهمون معاني الصفات، فالتعبير بلازم الصفة، دليل على عقل معناها، وأنها عين حقيقةً، تقع بها الرؤية، وليست كلمة أضيفت إلى الله لا يُعلم معناها كما يقول المفوضة.
2-وأما التجسيم والتكييف والتشبيه، فليس في هذا الكلام شيء منه، لأن التجسيم والتشبيه أن يقول: عين كعين، وأما إذا قال عين يرى بها، فهذه حقيقة العين، فلا ينازع في إثبات الرؤية بالعين من يثبت عينا على الحقيقة.
وقد أجمع أهل السنة على أن صفات الله تعالى على الحقيقة لا على المجاز كما نقله ابن عبد البر وغيره.
وقد روى البخاري (7407) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ - وَإِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ).
وهذه الإشارة لتحقيق الصفة وأنها العين المعروفة التي تقع بها الرؤية وليس شيئا آخر.
وروى أبو داود (4728) عن أبي يُونُسَ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء/58، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ"، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ الْمُقْرِئُ: يَعْنِي: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، يَعْنِي أَنَّ لِلَّهِ سَمْعًا وَبَصَرًا قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ".
فجعل صلى الله عليه وسلم البصر للعين، وهو أمر لا يرتاب فيه إلا معطل.
قال ابن خزيمة رحمه الله في "كتاب التوحيد" (1/113): " نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى , وتحت الأرض السابعة السفلى، وما في السماوات العلى، وما بينهما من صغير وكبير، لا يخفى على خالقنا خافية في السماوات السبع والأرضين السبع، ولا مما بينهم ولا فوقهم، ولا أسفل منهن، لا يغيب عن بصره من ذلك شيء، يرى ما في جوف البحار ولججها، كما يرى عرشه الذي هو مستو عليه.
وبنو آدم وإن كانت لهم عيون يبصرون بها، فإنهم إنما يرون ما قرب من أبصارهم، مما لا حجاب ولا ستر بين المرئي وبين أبصارهم، وما يبعد منهم إن كان يقع اسم القرب عليه في بعض الأحوال، لأن العرب التي خوطبنا بلغتها قد تقول: قرية كذا منا قريبة، وبلدة كذا قريبة منا , ومن بلدنا، ومنزل فلان قريب منا، وإن كان بين البلدين وبين القريتين وبين المنزلين فراسخ، والبصير من بني آدم لا يدرك ببصره شخصا آخر، من بني آدم، وبينهما فرسخان فأكثر، وكذلك لا يرى أحد من الآدميين ما تحت الأرض إذا كان فوق المرئي من الأرض والتراب قدر أنملة، أو أقل منها بقدر ما يغطى ويوارى الشيء، وكذلك لا يدرك بصره إذا كان بينهما حجاب من حائط , أو ثوب صفيق , أو غيرهما مما يستر الشيء عن عين الناظر.
فكيف يكون يا ذوي الحجا مشبها من يصف عين الله بما ذكرنا، وأعين بني آدم بما وصفنا؟!
ونزيد شرحا وبيانا نقول: عين الله عز وجل قديمة، لم تزل باقية، ولا يزال محكوم لها بالبقاء، منفي عنها الهلاك والفناء , وعيون بني آدم محدثة مخلوقة، كانت عدما غير مكونة , فكونها الله , وخلقها بكلامه الذي هو: صفة من صفات ذاته، وقد قضى الله وقدر أن عيون بنى آدم تصير إلى بلاء، عن قليل , واللهَ نسأل خير ذلك المصير , وقد يُعمي اللهُ عيون كثير من الآدميين، فيذهب بأبصارها قبل نزول المنايا بهم، ولعل كثيرا من أبصار الآدميين قد سلط خالقنا عليها ديدان الأرض حتى تأكلها , وتفنيها بعد نزول المنية بهم، ثم ينشئها الله بعد، فيصيبها ما قد ذكرنا قبل في ذكر الوجه.
فما الذي يشبه - يا ذوي الحجا - عين الله التي هي موصوفة بما ذكرنا عيون بني آدم التي وصفناها بعد؟!
ولست أحسب، لو قيل لبصير لا آفة ببصره , ولا علة بعينه، ولا نقص، بل هو أعيَن، أكحل، أسود الحدق، شديد بياض العينين، أهدب الأشفار: عينك كعين فلان، الذي هو صغير العين، أزرق، أحمر بياض العينين، قد تناثرت أشفاره، وسقطت، أو كان أخفش العين، أزرق، أحمر بياض العينين، قد تناثرت أشفاره، وسقطت، أو كان أخفش العين، أزرق، أحمر بياض شحمها، يرى الموصوف الأول: الشخص من بعيد، ولا يرى الثاني مثل ذلك الشخص من قدر عُشر ما يرى الأول، لعلة في بصره، أو نقص في عينه= إلا غضب من هذا، وأنف منه، فلعله يخرج إلى القائل له ذلك إلى المكروه من الشتم والأذى، ولست أحسب عاقلا يسمع هذا المشبه عيني أحدهما بعيني الآخر، إلا هو يكذّب هذا المشبه عين أحدهما بعين الآخر، ويرميه بالعَتَه، والخبل والجنون، ويقول له: لو كنت عاقلا يجري عليك القلم: لم تشبّه عيني أحدهما بعيني الآخر، وإن كانا جميعا يسميان بصيرين، إذ ليسا بأعميين، ويقال: لكل واحد منهما عينان يبصر بهما، فكيف لو قيل له: عينك كعين الخنزير، والقرد، والدب، والكلب، أو غيرها من السباع، أو هوام الأرض، والبهائم.
فتدبروا يا ذوي الألباب؛ أبين عيني خالقنا الأزلي الدائم الباقي، الذي لم يزل ولا يزال، وبين عيني الإنسان من الفرقان: أكثر، أو مما بين أعين بني آدم وبين عيون ما ذكرنا؛ تَعْلموا وتستيقنوا أن من سمى علماءنا مشبهة: غير عالم بلغة العرب، ولا يفهم العلم؛ إذ لم يجز تشبيه أعين بني آدم بعيون المخلوقين، من السباع والبهائم، والهوام، وكلها لها عيون يبصرون بها، وعيون جميعهم محدثة مخلوقة، خلقها الله بعد أن كانت عدما، وكلها تصير إلى فناء وبلى، وغير جائز إسقاط اسم العيون والأبصار عن شيء منها؛ فكيف يحل لمسلم - لو كانت الجهمية من المسلمين - أن يرموا من يثبت لله عينا بالتشبيه؟!
فلو كان كل ما وقع عليه الاسم، كان مشبِها لما يقع عليه ذلك الاسم؛ لم يجز قراءة كتاب الله، ووجب محو كل آية بين الدفتين فيها ذكر نفس الله، أو عينه، أو يده، ولوجب الكفر بكل ما في كتاب الله عز وجل من ذكر صفات الرب، كما يجب الكفر بتشبيه الخالق بالمخلوق، إلا أن القوم جهلة، لا يفهمون العلم، ولا يحسنون لغة العرب، فيَضلون ويُضلون. والله نسأل العصمة والتوفيق والرشاد في كل ما نقول وندعو إليه" انتهى.
فتأمل هذا الكلام البين في نفي التشبيه، لتعلم أن السنة يثبتون لله عينين يبصر بهما، لكنهما ليسا كعيني المخلوق المحدَث الذي يلحقه الفناء.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(145166)، ورقم:(145423).
والله أعلم.
تعليق