الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

الآيات القرآنية التي نزلت في حق أبي بكر الصديق رضي الله عنه

395081

تاريخ النشر : 14-12-2022

المشاهدات : 48742

السؤال

ما هي الآيات القرآنية التي نزلت في حق سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه؟

الحمد لله.

أولًا:

أفضلية أبي بكر الصديق

أبو بكر هو خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومؤنسه في الغار، وصِدِّيقه الأكبر، وصَديقه الأشفق، ووزيره الأحزم، أفضلُ الأُمَّة، وسيد المهاجرين وخيرهم، وسابق الصحابة وشيخهم، عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي، ويلتقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في النسب في الجد السادس مرة بن كعب، ويكنى بأبي بكر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قد علم بالتواتر أن أبا بكر كان محبا للنبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به، من أعظم الخلق اختصاصا به، أعظم مما تواتر من شجاعة عنترة، ومن سخاء حاتم، ومن موالاة علي ومحبته له، ونحو ذلك من التواترات المعنوية؛ فيها الأخبار الكثيرة على مقصود واحد". انتهى، "من منهاج السنة" (8/ 434)، وينظر: "الإصابة" لابن حجر(4/ 144 - 145)، "أبو بكر الصديق"، علي الطنطاوي، (46).

ثانيًا :

آيات نزلت في أبي بكر الصديق

نزلت عدة آيات في الصديق رضي الله عنه، ومنها آيات ذكرته بألقاب له؛ فمن ذلك:

1- الصاحب.

لقد ذكر الله تعالى فضل الصديق في عدد من الآيات الكريمة، ومنها تلقيبه بالصاحب.

قال البخاري: "باب مناقب المهاجرين وفضلهم، منهم أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيمي رضي الله عنه، وقول الله تعالى:   لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ الحشر/ 8، وقال الله: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ التوبة/40 إلى قوله إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40]". قالت عائشة: وأبو سعيد، وابن عباس رضي الله عنهم: وكان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار.

انظر: صحيح البخاري: (5/ 3)، ورواه البخاري: (3615)، (3652)، ومسلم: (2009).

وكفى بتلقيب الله له في القرآن بالصاحب، كما في قوله تعالى:  إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ التوبة/40.

قال الإمام أبو أحمد القصاب، رحمه الله:" شهد الله - جل وتعالى - له بالصحبة، والكينونة معه في الغار من دون الناس، ولخروجه من توبيخ الخطاب وترك النصرة؛ بالمسابقة إلى ما قعد عنه غيره، والمشاركة له فيما يحذر المطلوب، إذ لا نصرة أنصر ممن بذل نفسه للمكروه، وخرج مع المطلوب يؤنسه في وحدته، ويشاركه فيما يتقيه من محذور عدوه". انتهى "من نكت القرآن" للقصاب(1/535).

قال الحافظ ابن حجر: " فإن المراد بصاحبه هنا أبو بكر بلا منازع" انتهى من "الإصابة في تمييز الصحابة"(4/148).

عن عمرو بن الحارث، عن أبيه: " أن أبا بكر الصديق، رحمة الله تعالى عليه حين خطب قال: أيكم يقرأ سورة التوبة؟ قال رجل: أنا، قال: اقرأ، فلما بلغ: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ)التوبة/ 40 بكى أبو بكر وقال: أنا والله صاحبه" انتهى من "تفسير الطبري" (11/466).

 2- الصديق.

لقد جاء وصف أبي بكر بالصدق في قوله تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) الزمر/33-34، وهذه الآية مما اختلف أهل التفسير في معناها:

- فقال بعضهم: الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: والصدق الذي جاء به: لا إله إلا الله، والذي صدق به أيضا، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- وقال آخرون: الذي جاء بالصدق: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به: أبو بكر رضي الله عنه، وروي هذا عن علي رضي الله عنه، في قوله: والذي جاء بالصدق [الزمر: 33] قال: "محمد صلى الله عليه وسلم. وصدق به، قال: أبو بكر رضي الله عنه".

انظر: "جامع البيان" (20/204)، و "زاد المسير"(4/ 18).

- وقال آخرون: الذي جاء بالصدق: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصدق: القرآن، والمصدقون به: المؤمنون .

- وقال آخرون: الذي جاء بالصدق جبريل، والصدق: القرآن الذي جاء به من عند الله، وصدق به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- وقال آخرون: الذي جاء بالصدق: المؤمنون، والصدق: القرآن، وهم المصدقون به .

ورجح الطبري القول الأخير. انظر: "جامع البيان" (20/ 206-207).

والصحيح في هذه الآية العموم، لكن المقصود أن أهل التفسير ذكروا هذه الآية في فضائل أبي بكر، مما يدل على أولوية دخوله في هذه الآية، وغيرها من الآيات الدالة على صدقه.

وفي الجملة كل ما في القرآن من خطاب (المؤمنين) و (المتقين) و (المحسنين) ومدحهم فهو أول من دخل في ذلك من هذه الأمة، وأفضل من دخل في ذلك من هذه الأمة.

يقول ابن تيمية: " لفظ الآية عام مطلق لا يختص بأبي بكر ولا بعلي، بل كل من دخل في عمومها دخل في حكمها. ولا ريب أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا أحق هذه الأمة بالدخول فيها، لكنها لا تختص بهم" انتهى من "منهاج السنة" (7/190).

 3- الصالح.

في قوله تعالى: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ التحريم/4، ذكر بعض أهل التفسير أن المراد بصالح المؤمنين: أبو بكر وعمر، فعن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، وعكرمة، في قوله عز وجل: وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ التحريم/4، قال: أبو بكر وعمر، وعن عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله عز وجل: (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)التحريم/4، قال: أخيار المؤمنين؛ أبو بكر وعمر.

وقد ذكر الطبري هذا القول في تفسيره عن مجاهد، والضحاك. ولكنه رجح العموم، وهو الظاهر.

لكن رجح غيره أن المراد بالآية الخصوص، يقول الواحدي: " وأظهر هذه الأقوال قول من قال: إن المراد بصالح المؤمنين أبو بكر وعمر؛ لأن الخطاب في هذه الآية لابنتيهما عائشة وحفصة، وكأنه قيل لهمما: إن تعاونتما على إيذاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن أبويكما لا يوافقانكما ولا يتظاهران معكما، فإنهما وليا رسول الله".

"فضائل الصحابة"، للإمام أحمد (1/128)، (98)، "جامع البيان"(23/ 97-98)، "التفسير البسيط" (22/18)، "منهاج السنة" (7/294).

 4- الأتقى.

ومن الآيات التي ذكر بعض أهل التفسير أنها نازلة في أبي بكر قوله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) الليل/17-21.

قال ابن كثير: "وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك. ولا شك أنه داخل فيها، وأولى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم، وهو قوله تعالى: وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة؛ فإنه كان صديقا تقيا كريما جوادا بذَّالا لأمواله في طاعة مولاه، ونصرة رسول الله، فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم، ولم يكن لأحد من الناس عنده مِنَّة يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل)) ، وقال ابن عاشور: ((اتفق أهل التأويل على أن أول مقصود بهذه الصلة أبو بكر الصديق رضي الله عنه" انتهى من "تفسير القرآن العظيم" (8/422)، "التحرير والتنوير" (30/391).

فهذه الآية إذا قُدر أنه دخل فيها من دخل من الصحابة، فأبو بكر أحق الأمة بالدخول فيها؛ فإنه هو الأتقى من هذه الأمة، وهو أفضلهم، وذلك لأن الله تعالى وصف الأتقى بصفات؛ كان أبو بكر أكمل قياما بها من جميع الأمة.

ينظر تقرير ذلك في "منهاج السنة" (7/ 376-385)، وأيضا(8/ 493)، وما بعدها.

5- الوقاف عند كتاب الله / ذو الفضل.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله عز وجل:  وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى إلى قوله: أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور: 22]، قال حبان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله، فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا" أخرجه البخاري (4141)، ومسلم (2770)، واللفظ له .

وقد أجمع أهل التفسير على أن هذه الآية نازلة في قصة أبي بكر ومسطح، غير أن الآية تتناول الأمة إلى يوم القيامة؛ بأن لا يغتاظ ذو فضل وسعة؛ فيحلف على أن يقطع عطاءه ونفعه عمن كان بهذه الصفة.

انظر: "التفسير البسيط" (16/ 173)، "المحرر الوجيز" (4/ 173).

6- آية معاتبة يشترك فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنهما:

وهي قوله سبحانه: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) الحجرات/1-3.

عن ابن أبي مليكة، قال: "كاد الخيِّران أن يهلكا؛ أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر - قال نافع لا أحفظ اسمه - فقال أبو بكر لعمر: ما أردتَ إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم)الحجرات/2 الآية".

قال ابن الزبير: "فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر"

أخرجه البخاري(4845)، (7302).

انظر: "الصحابة والقرابة في القرآن الكريم"، دراسة تحليلية موضوعية، عمرو الشرقاوي(343 - 359)، وانظر:(416).

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب