الثلاثاء 18 جمادى الأولى 1446 - 19 نوفمبر 2024
العربية

حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد

السؤال

يسلم الإمام بسرعة شديدة خلال صلاة التراويح ، والوقت لا يكفيني إلا لإنهاء التشهد الأول ، لكنه يسلم قبل أن أقول التشهد الثاني ( الصلاة الإبراهيمية ) .
فهل يجوز أن أنهي صلاتي في هذه النقطة ؟ أم أن التشهد الإبراهيمي إلزامي ؟.

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

اختلف العلماء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة ، على أقوال ، فمنهم من قال بأنها ركن لا تصح الصلاة إلا بها ، ومنهم من قال بوجوبها ، والقول الثالث : أنها سنة مستحبة ، وليست بواجبة .

وقد رجَّح الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله القول الثالث ، فقال في شرح "زاد المستقنع" :

قوله : " والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه " أي : في التشهُّدِ الأخير ، وهذا هو الرُّكن الثاني عشر مِن أركان الصلاة .

ودليل ذلك : أنَّ الصَّحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : يا رسولَ الله ؛ عُلِّمْنَا كيف نُسلِّم عليك ، فكيف نُصلِّي عليك ؟ قال : قولوا : ( اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدٍ ، وعلى آل محمَّدٍ ) ، والأمر يقتضي الوجوب ، والأصلُ في الوجوب أنَّه فَرْضٌ إذا تُرِكَ بطلت العبادة ، هكذا قرَّرَ الفقهاءُ رحمهم الله دليل هذه المسألة .

ولكن إذا تأملت هذا الحديث لم يتبيَّن لك منه أنَّ الصَّلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رُكنٌ ، لأنَّ الصحابة إنَّما طلبوا معرفة الكيفية ؛ كيف نُصلِّي ؟ فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إليها ، ولهذا نقول : إن الأمر في قوله : ( قولوا ) ليس للوجوب ، ولكن للإِرشاد والتعليم ، فإنْ وُجِدَ دليل غير هذا يأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة فعليه الاعتماد ، وإنْ لم يوجد إلا هذا فإنه لا يدلُّ على الوجوب ، فضلاً عن أن يَدلَّ على أنها رُكن ؛ ولهذا اُختلفَ العلماء في هذه المسألة على أقوال :

القول الأول : أنها رُكنٌ ، وهو المشهور مِن المذهب ، فلا تصحُّ الصلاة بدونها .

القول الثاني : أنها واجب ، وليست برُكن ، فتُجبر بسجود السَّهو عند النسيان .

قالوا : لأن قوله : ( قولوا : اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدِ ) محتمل للإِيجاب وللإِرشاد ، ولا يمكن أن نجعله رُكناً لا تصحُّ الصلاة إلا به مع هذا الاحتمال .

القول الثالث : أنَّ الصَّلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم سُنَّة ، وليست بواجب ولا رُكن ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وأن الإِنسان لو تعمَّد تَرْكها فصلاتُه صحيحة ؛ لأن الأدلَّة التي اُستدلَّ بها الموجبون ، أو الذين جعلوها رُكناً ليست ظاهرة على ما ذهبوا إليه ، والأصل براءة الذِّمة .

وهذا القول أرجح الأقوال إذا لم يكن سوى هذا الدليل الذي استدلَّ به الفقهاء رحمهم الله ، فإنه لا يمكن أن نبطلَ العبادة ونفسدها بدليل يحتمل أن يكون المراد به الإِيجاب ، أو الإِرشاد . " الشرح الممتع " ( 3 / 310 – 312 ) .

وعلى هذا القول فتصح الصلاة بدونها .

ثانياً :

ينبغي نصح هذا الإمام وغيره من الأئمة الذين يسرعون في صلاة التراويح سرعة مفرطة ، فيمنعون من وراءهم من إتمام صلاتهم .

وقد نص العلماء على أنه ينبغي للإمام أن يتأنَّى في الصلاة حتى يتمكن المأمومون من الإتيان بالواجبات وبعض السنن ، وأنه يكره له الإسراع بحيث يمنع المأمومين من ذلك .

قال النووي :

مَعْنَى أَحَادِيث الْبَاب ظَاهِر –يعني الأحاديث التي فيها الأمر للإمام بالتخفيف- وَهُوَ الأَمْر لِلإِمَامِ بِتَخْفِيفِ الصَّلاة بِحَيْثُ لا يُخِلّ بِسُنَّتِهَا وَمَقَاصِدهَا .

وجاء في الموسوعة الفقهية (14/243) :

وَالْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ , فَيَأْتِي بِالْوَاجِبَاتِ , وَالسُّنَنِ , وَلا يَقْتَصِرُ عَلَى الأَقَلِّ وَلا يَسْتَوْفِي الأَكْمَلَ .

وقال ابن عبد البر :

التَّخْفِيفُ لِكُلِّ إِمَامٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِلَيْهِ إِلا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ أَقَلُّ الْكَمَالِ , وَأَمَّا الْحَذْفُ وَالنُّقْصَانُ فَلا . . . ثم قَالَ : لا أَعْلَمُ خِلافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اِسْتِحْبَابِ التَّخْفِيفِ لِكُلِّ مَنْ أَمَّ قَوْمًا عَلَى مَا شَرَطْنَا مِنْ الإِتْمَامِ .

وقال ابن قدامة في المغني (1/323) :

وَيُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَنْ يُرَتِّلَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّشَهُّدَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ مِمَّنْ يَثْقُلُ لِسَانُهُ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ , وَأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ , قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالثَّقِيلَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ . فَإِنْ خَالَفَ وَأَتَى بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ , كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ .

وفي الموسوعة الفقهية (6/213) :

وَيُكْرَهُ لَهُ الإِسْرَاعُ , بِحَيْثُ يُمْنَعُ الْمَأْمُومُ مِنْ فِعْلِ مَا يُسَنُّ لَهُ , كَتَثْلِيثِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ , وَإِتْمَامِ مَا يُسَنُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ .

وقال الشيخ ابن عثيمين في رسالة في أحكام الصيام والزكاة والتراويح :

" وأما ما يفعل بعض الناس من الإسراع المفرط فإنه خلاف المشروع ، فإن أدَّى إلى الإخلال بواجب أو ركن كان مبطلاً للصلاة .

وكثير من الأئمة : لا يتأنَّى في صلاة التراويح وهذا خطأ منهم ، فإن الإمام لا يصلي لنفسه فقط ، وإنما يصلي لنفسه ولغيره ، فهو كالولي يجب عليه فعل الأصلح ، وقد ذكر أهل العلم أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب " انتهى .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب