الحمد لله.
عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ، أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ، مِنْ إِحْدَاكُنَّ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ رواه البخاري (1462)، ومسلم (80).
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُرِيتُ النَّارَ، فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ. قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ رواه البخاري (29) ومسلم (884).
و"العشير" في اللغة هو المخالط، من العشرة، وفسره أكثر العلماء في هذا الحديث بالزوج، ويحتمل أن يراد به العموم.
قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/420):
"وأما قوله (يكفرن العشير) (ويكفرن الإحسان) فالعشير في هذا الموضع عند أهل العلم: الزوج، والمعنى عندهم في ذلك كفر النساء لحسن معاشرة الزوج، ثم عطف على ذلك كفرهن بالإحسان جملة في الزوج وغيره" انتهى.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: " قوله (وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ)، أي: تجحدن حق الخليط وهو الزوج، أو أعم من ذلك." انتهى من "فتح الباري" (1/406).
وقال النووي رحمه الله تعالى: " قوله صلى الله عليه وسلم: (وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ)، قال أهل اللغة: العشير المعاشر والمخالط، وحمله الأكثرون هنا على الزوج. وقال آخرون: هو كل مخالط.
ومعنى الحديث: أنهن يجحدن الإحسان لضعف عقلهن وقلة معرفتهن، فيستدل به على ذم من يجحد إحسان ذي إحسان " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (6/175).
وقال بدر الدين العيني في "عمدة القاري":
"فإن قلت: ما الألف واللام في العشير؟
قلت: للعهد، إن فسر العشير بالزوج، وللجنس أو الاستغراق، إن فسر بالمعاشر مطلقا.
فإن قلت: أيها الأصل في اللام ؟
قلت: قال الكرماني: الجنس هو الحقيقة، فيحمل عليها إلا إذا دلت قرينة على التخصيص، والتعميم، فتتبع القرينة حينئذ، وهذا حكم عام لهذه في جميع المواضع.
والذي عليه المحققون: أن أصل اللام للعهد وقد عرف في موضعه." انتهى.
وقال الباجي في "المنتقى" (1/329):"وَالْعَشِيرُ الزَّوْجُ، قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: عَشِيرُ الْمَرْأَةِ زَوْجُهَا.
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – (وَيَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ) الزَّوْجَ، سُمِّيَ عَشِيرًا لِأَنَّهُ يُعَاشِرُهَا وَتُعَاشِرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ، وَقَالَ مَكِّيٌّ فِي قَوْله تَعَالَى: لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ أَيْ: الْخَلِيطُ وَالصَّاحِبُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَشِيرُ يَعْنِي الْوَلِيَّ، يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُومُ لَهُ مَقَامَ الْعَشِيرِ وَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ: يُقَالُ هَذَا عَشِيرُكَ وَشَعِيرُكَ عَلَى الْقَلْبِ، فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: (الْعَشِيرَ) الزَّوْجَ خَاصَّةً بِمَعْنَى أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ كُلَّ مَنْ يُعَاشِرَهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ." انتهى.
والحاصل أن أكثر أهل العلم على أن المراد بالعشير: الزوج.
وبعضهم أشار إلى أنه عام في كل مخالط. والذي يظهر أن فضل الوالد وحقه على ابنه أعظم، وأن البنت إذا كفرت نعمة أبيها عليها في تربيتها والإحسان إليها، وجحدت فضله؛ فهي على خطر عظيم أن ينالها مثل هذا الوعيد؛ فالعشير إن لم يكن يشمل الوالد والوالدة بعمومه اللفظي، فالمعنى يقتضيه، ويدل عليه.
ولمزيد الفائدة، ينظر هذه الأجوبة: 21457، 457734، 363285، 197566، 241192.
والله أعلم.
تعليق