الأربعاء 15 شوّال 1445 - 24 ابريل 2024
العربية

هل حديث (من صلى مع الإمام حتى ينصرف...) يقصد به صلاة العشاء أم التراويح؟

السؤال

حديث: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)، يحمل كثير من العلماء هذا على التراويح. كيف يقول رسول الله هذا الحديث، وهو نفسه لم يصل التراويح بالصحابة، ولا أمرهم أن يصلوها بإمام، وإنما خرج يصلي لوحده في المسجد، فاجتمع الناس خلفه ليلتين، فلم يخرج لهم في الثالثة، وبقي الصحابة يصلونها أفذاذا، أو يصلي الرجل مع صاحبيه إلى زمن عمر، فكيف نجمع بين الحديث المذكور وبين فعله صلى الله عليه وسلم، خاصة وأن بعض العلماء لعله السيوطي في "شرح الترمذي" حمل الحديث على صلاة العشاء وليس التراويح؟

الجواب

الحمد لله.

الصحيح أن هذا الحديث وارد في صلاة التراويح لا الفريضة.

فقد رواه النسائي (1364)، والترمذي (806)، وأبو داود (1375)، وابن ماجه (1327) عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَقُمْ بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنْ الشَّهْرِ فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ كَانَتْ سَادِسَةٌ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتْ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ.

قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟

قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ وصححه الألباني في "صحيح النسائي".

فهذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية التي صلاها بأصحابه رضي الله عنهم، وسبب ذلك أنهم أرادوا أن يقوم بهم بقية الليلة، فبين لهم أن قيام المأموم مع إمامه حتى ينصرف، يكتب له به قيام ليلة، ولو كان قيامهم في بعضها فقط.

قال في "عون المعبود شرح أبي داود" (4/174): " (حتى ذهب شطر الليل) أي نصفه (لو نفّلتنا) بالتشديد (قيام هذه الليلة)، وفي رواية "بقية ليلتنا": أي لو جعلت بقية الليل زيادة لنا على قيام الشطر.

وفي النهاية: لو زدتنا من الصلاة النافلة، سميت بها النوافل لأنها زائدة على الفرائض

وقال المظهر: تقديره: لو زدت قيام الليل على نصفه، لكان خيرا لنا، ولو للتمني. (حتى ينصرف) أي الإمام. (حسب له)، على البناء للمفعول أي اعتبر وعدّ (قيام الليلة) أي حصل له ثواب قيام ليلة تامة، يعني الأجر حاصل بالفرض، وزيادة النوافل مبنية على قدر النشاط، لأن الله لا يمل حتى تملوا. قال في المرقاة: والظاهر أن المراد بالفرض العشاء والصبح" انتهى.

ومن حمل الحديث على صلاة العشاء، فقوله غير ظاهر، لأنه بناه على حديث عثمان المشهور في أن من صلى العشاء في جماعة فكأنما قال نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله. رواه مسلم.

وهذا فضل آخر، ولا تعلق له بالحديث المذكور هنا، ولهذا احتاج إلى ذكر صلاة الصبح مع أنه لا ذكر لها في الحديث، ليتم له المراد من الاستدلال، وهو حصول فضل قيام ليلة كاملة، فإن ذلك لا يتم بالعشاء وحدها.

وظاهر الحديث بين، وهو أن القدر الذي قاموه مع الإمام، وهو شطر الليل، يعدل قيام ليلة كاملة، وذلك فضل لمن يصلي مع إمامه حتى ينصرف.

قال السندي في "حاشيته على ابن ماجه" (1/398): " قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ مَعَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ.

وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَهُ بِحَدِيثِ (خَيْرُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ)، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ حَيْثُ قَامَ بِهِمْ لَيْلَةَ رَمَضَانَ فِي مَسْجِدِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ بِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَعْلَمَهُمْ بِهِ أَنَّ صَلَاتَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وُحْدَانًا، أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِمْ مَعَهُ فِي مَسْجِدِهِ؛ فَكَيْفَ مَعَ إِمَامٍ آخَرَ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِالْقِيَامِ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضَ اللَّيْلِ، قِيَامُ كُلِّهِ، وَأَنْ يَكُونَ قِيَامُهُ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ" انتهى.

وقال ابن رسلان في "شرح أبي داود" (6/623): " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة، لفظ النسائي: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة"، لفظ ابن ماجه: "فإنه يعدل قيام ليلة".

يشبه أن تختص هذِه الفضيلة بقيام رمضان؛ فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الرجل إذا صلى مع الإمام"، هو جواب عن سؤالهم: لو نفلتنا قيام هذِه الليلة، والجواب تابع للسؤال، وهو تنفل قيام الليل.

ويدل عليه قوله: "إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف"؛ فذكر الصلاة مع الإمام، ثم أتى بحرف يدل على الغاية، والغاية لا بد لها من غاية ، ومغَيّى.

فدل على أن هذِه الفضيلة إنما تتأتى إذا اجتمعت صلوات يقتدى بالإمام فيها، وهذا لا يتأتى في الفرائض المؤداة.

ويجوز أن تدخل هذِه الفضيلة في الفرائض، كما جاء في رواية المصنف [أبي داود] والترمذي عن عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من صلى العشاء والفجر في جماعة، كان كقيام ليلة". وهذا يدل على أن من جمع بين هاتين الصلاتين مع إمام، كتب له قيام ليلة، فإن الصحيح عند الشافعية وغيرهم أن الجماعة تحصل بإمامٍ ومأموم فقط" انتهى.

ومما يؤكد أن هذا الحديث في التراويح لا في الفرض: أن الفرض لا يخير الإنسان فيه في الانصراف والبقاء.

قال أبو الحسن المباركفوري في "مرعاة المفاتيح" (4/318): " وأما حديث عثمان الذي أشار إليه القاري، فيقال في معناه: إن من صلى فريضة العشاء والصبح مع الإمام، أي بالجماعة، يكون له ثواب ليلة كاملة، ثواب صلاة الفرض، ويقال ههنا: إنه إذا صلى التراويح مع الإمام حتى ينصرف، يحصل له ثواب ليلة كاملة، ثواب صلاة النفل. قيل: ويؤيد ذلك رواية الترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ: "من قام مع الإمام"، بدل "إذا صلى مع الإمام"، فإن لفظ القيام ظاهر في معنى صلاة الليل، أي التراويح، ويؤيده أيضاً أن أبا ذر سأله - صلى الله عليه وسلم - أن ينفل بقية الليلة، وهذا يقتضي أن يجيب بأنه لا يحتاج إلى قيام بقية الليلة؛ لأن ثواب الليلة التامة قد حصل بالقدر الذي قام بهم.

ويؤيده أيضاً أن قوله: "حتى ينصرف"؛ فإنه يشير إلى أن الانصراف قبل أن ينصرف الإمام من جميع صلاته ممكن، ومن المعلوم أن الانصراف في الفرض في أثناء الصلاة غير ممكن؛ لأنه لا يحصل إلا بعد ما ينصرف الإمام، بخلاف التراويح فإن الانصراف فيها قبل انصراف الإمام ممكن؛ لأنها شفعات متعددة، فيمكن أن ينصرف الرجل قبل أن يفرغ الإمام من جميع صلاة التراويح" انتهى.

فالحاصل:

أن هذا الأجر والفضل بيّن في صلاة التراويح، وهذا لا ينافي حصول مثله لمن صلى العشاء والفجر في جماعة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب