الجمعة 26 جمادى الآخرة 1446 - 27 ديسمبر 2024
العربية

هل وجود مخلوقات ثنائية الجنس يتعارض مع قوله تعالى: ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ)؟

411958

تاريخ النشر : 08-04-2023

المشاهدات : 11796

السؤال

خلال تجولي على الإنترنت وجدت نوعا من السحالي لديه خصائص الجنسين (ذكر وأنثى)، ثم تذكرت قول الله عزو جل:(ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)، فرأيت تناقضا، فأتيت لأسأل أهل العلم؛ حتى لا أقع في إثم.

الجواب

الحمد لله.

لا يوجد أي تناقض بين أخباره و أفعاله سبحانه وتعالى، ويزول الإشكال من أصله بأن نتنبّه إلى أن الله تعالى لم يقل: بأنه خلق من كل شيء ذكرا وأنثى.

وإنما قال الله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الذاريات/49.

وهذه الزوجية وإن كانت تتناول الذكورة والأنوثة، كما في قوله تعالى:

(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) النجم/45.

إلا أن مفهوم الزوجية لا ينحصر في هذه الذكورة والأنوثة، بل معناه أعم من ذلك، فيتناول جميع الأصناف والأنواع المتغايرة، كما نص على هذا أهل التفسير.

كقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" قوله تعالى: ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) أي: صنفين، ونوعين، كالذكر والأنثى، والبر والبحر، والليل والنهار، والحلو والمر، والنور والظلمة، وأشباه ذلك ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) فتعلموا أن خالق الأزواج واحد" انتهى من "زاد المسير" (8/41).

وهذا المعنى العام الغير المنحصر في الذكورة والأنوثة هو الذي يتوافق مع لغة العرب.

قال ابن فارس رحمه الله تعالى:

" (زوج) أصل يدل على مقارنة شيء لشيء، من ذلك الزوج زوج المرأة...

فأما قوله جل وعز في ذكر النبات: ( مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ )، فيقال أراد به اللون، كأنه قال: من كل لون بهيج. وهذا لا يبعد أن يكون من الذي ذكرناه؛ لأنه يزوّج غيره مما يقاربه.

وكذلك قولهم للنَّمَط الذي يُطرح على الهودج: زوج؛ لأنه زوج لما يلقى عليه " انتهى من "مقاييس اللغة" (3/35).

وهذا المعنى العام هو الذي يتوافق مع عرف القرآن الكريم في استعمال كلمة "زوج"، فقد وردت في عدة آيات لا يراد بها الذكورة والأنوثة.

كقول الله تعالى:(لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) الحجر/88.

قال أبو جعفر النحاس رحمه الله تعالى:

" قال مجاهد في قوله تعالى: (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ).

قال: الأغنياء الأشباه، أي أمثال في النعم.

والأزواج في اللغة: الأصناف " انتهى من "معاني القرآن" (4/42).

وقال القرطبي رحمه الله تعالى:

" ومعنى ( أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ) أي أمثالا في النِّعم، أي الأغنياء بعضهم أمثال بعض في الغنى، فهم أزواج " انتهى من "تفسير القرطبي" (12/253).

وكقول الله تعالى: (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى) طه/53.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" وقوله في هذه الآية: (أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى) أي أصنافا مختلفة من أنواع النبات.

فالأزواج: جمع زوج، وهو هنا الصنف من النبات، كما قال تعالى في سورة "الحج": ( وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) أي: من كل صنف حسن من أصناف النبات...

وقوله: (شَتَّى) نعت لقوله: (أَزْوَاجًا). ومعنى قوله: (أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى) أي: أصنافا مختلفة الأشكال، والمقادير، والمنافع، والألوان، والروائح، والطعوم... " انتهى من "أضواء البيان" (4/ 527-528).

وقال الله تعالى:

(وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ، فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) الواقعة/7–11.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً): أي: ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف" انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/515).

قال الدكتور محمد حسن جبل:

" ثم استعمل في قَرْن الأشباه لأن المشابهة تربط المتشابهين ( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ )... ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ )، أشياعهم في الشِرْك أو أشباههم في جنس المعصية أو قُرناءهم ... ( لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ )، أي أمثالا في النعم، أي الأغنياء بعضهم أمثال بعض في الغنى فهم أزواج... ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ، فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) فأطلق الزَوْج على الصِنْف أو النوع من الناس ومن كل شيء، إذ كل فرد من أفراده مقترن بغيره منه بجامع النوعية والصفات المشتركة ( هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ، وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ): وأنواع من العذاب أخرى. ( فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) أي لون من الحب والثمر. ( فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ) صنفان وكلاهما حلو يستلذ به.

خلاصة: التركيب يعبر عن ارتباط شيء بآخر. وهو في القرآن الكريم كذلك تزويجًا للذكر بالأنثى، أو جمعًا لها في الخَلْق، ثم عبر بالزوج عن الصنف الذي يجمع أشباهًا من البشر أو الثمر. والسياق واضح في ما لم نذكره " انتهى من "المعجم الاشتقاقي المؤصل" (2/ 879– 880).

فيتحصل من كل ما سبق؛ أن هذه السحالي التي أشرت إليها لا تخرج عن معنى قول الله تعالى: ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ )؛ فهذه السحلية التي أشرت إليها ليست فريدة في هذه الأرض، بل هي زوج وصنف من السحالي، فهي بالنسبة للسحالي المذكرة والمؤنثة زوج وصنف لها.

وللفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (223457).

وكون حيوان ما يجمع خصائص الأنوثة والذكورة ، هذا لا يعني أنه ينفرد بعملية التكاثر، بل يحتاج إلى شريك، فيقوم أحدهما مقام الذكر، والآخر مقام الأنثى؛ وحينئذ يصح أن كل واحد منهما زوج للآخر، حتى بالمعنى الشائع المفهوم لذلك.

طالع  مقدمة النص الوارد في هذا الصفحة

وكذا ما ورد في الصفحة .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب