الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل الطلاق قبل الدخول مباح لقوله تعالى: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ)؟

415020

تاريخ النشر : 18-04-2023

المشاهدات : 2993

السؤال

تزوجت منذ 10 أشهر، ولم أدخل بزوجتي؛ بسبب الظروف، حيث إنني كنت أنوي أن أدخل بها، وأهلها ينتظرونني، لكن الظروف لم تسمح، المشكلة أني بعد هذه المدة أصبحت تراودني أشياء لا أحبها فيها. أولا: أنها تعيد بعض ما نتكلم به لأهلها، وأنا لا أحب هذا، فكلمتها، فتقول: ليس الأمر كما تظن، وأنا لست مرتاحا. ثانيا: الدين، هي تصلي، وتحرص على تجنب الحرام، وتؤمن بالسنة، والأحاديث، لكن ليست تلك النشيطة في الدين، والحريصة على التفاصيل، فمثلا: هي لا تستر وجهها، وتصوم الاثنين والخميس أحيانا؛ لأن أمها تصوم فتتشجع بها، وليس لديها فقه كبير، وأنا أريد أن أظفر بذات الدين، أما جمالها مقبول، وليست جميلة جدا، فما دمت لم أدخل بها أريد أن أطلقها؛ لأنها لن تتضرر كثيرا، لكني متردد، وأحيانا أحس أن هذا لا يليق؛ بسبب أن أهلها وثقوا في، وأخوها صديق لي. فما محل الآية: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) ما معنى من أن ليس علينا جناح؟ وهل هذا ينطبق علي؟

الجواب

الحمد لله.

الأصل في الطلاق لغير حاجة الحظر، فهو إما حرام أو مكروه؛ لأنه من كفر نعمة النكاح ، ولما يترتب عليه من مفاسد على الزوجة وأهلها والأولاد إن كانوا.

قال ابن قدامة رحمه الله: " والطلاق على خمسة أضرب: ... ومكروه: وهو الطلاق من غير حاجة إليه.

وقال القاضي: فيه روايتان إحداهما: أنه محرم، لأنه ضرر بنفسه وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه؛ فكان حراما، كإتلاف المال.

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).

والثانية: أنه مباح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وفي لفظ: (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق) رواه أبو داود.

وإنما يكون مبغَضا من غير حاجة إليه، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حلالا.

ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها، فيكون مكروها" انتهى من "المغني" (8/ 235).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ: الْحَظْرُ؛ وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/293).

وأما قوله تعالى: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) البقرة/236.

فاختلف في رفع الجناح هنا؛ هل هو على الطلاق مطلقا قبل الدخول، أم على الطلاق إذا كان النكاح لم يسمّ فيه المهر؟ إلى غير ذلك من الأقوال.

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (3/196): " قوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء) هذا أيضا من أحكام المطلقات، وهو ابتداء إخبارٍ برفع الحرج عن المطلِّق قبل البناء والجماع، فرَض مهرا أو لم يفرض، ولما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزوج لمعنى الذوق وقضاء الشهوة، وأمر بالتزوج لطلب العصمة والتماس ثواب الله وقصد دوام الصحبة؛ وقع في نفوس المؤمنين أن من طلق قبل البناء قد واقع جزءا من هذا المكروه؛ فنزلت الآية رافعة للجناح في ذلك، إذا كان أصل النكاح على المقصد الحسن.

وقال قوم: (لا جناح عليكم): معناه لا طلب لجميع المهر، بل عليكم نصف المفروض لمن فرض لها، والمتعة لمن لم يفرض لها.

وقيل: لما كان أمر المهر مؤكدا في الشرع، فقد يتوهم أنه لا بد من مهر، إما مسمى وإما مهر المثل، فرفع الحرج عن المطلق في وقت التطليق، وإن لم يكن في النكاح مهر.

وقال قوم: (لا جناح عليكم): معناه في أن ترسلوا الطلاق في وقت الحيض، بخلاف المدخول بها، إذ غير المدخول بها لا عدة عليها" انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ومن فوائد الآية: جواز طلاق الرجل امرأته قبل أن يمسها؛ لقوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ؛ وربما يشعر قوله تعالى: لا جناح: أن الأولى عدم ذلك؛ لأن طلاقه إياها قبل أن يمسها وقد خطبها، وقدم إليها الصداق فيه شيء على المرأة، وغضاضة، وإن كان الإنسان قد يتأمل في أمره، وتضطره الأمور إلى الطلاق فإنه لا ينبغي أن يكون متسرعاً متعجلاً" انتهى من "تفسير سورة البقرة" (3/169).

وما ذكرت من عدم نشاطها في معرفة الدين يمكن علاجه، كما يمكنك أمرها بستر وجهها، فيلزمها ذلك حينئذ، حتى لو كانت تأخذ برأي من يقول بجواز كشفه.

وبكل حال، فالذي يظهر لنا مما وصفته: أنها مرضية الدين، حريصة على أمر ربها، وشرعه. وكشف الوجه من مسائل الخلاف بين العلماء، فلا يقدح في دينها.

وبقيت مسألة الجمال، فإن كان جمالها مقبولا، وكانت من بيت طيب، وهي حسنة الخلق والطباع، فنرى أن تمسكها، فقد تجد من هو أجمل منها لكن مع شراسة طبعها، أو سوء خلقها.

ونسأل الله أن ييسر أمرك ويقضي لك الخير.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب