الخميس 23 شوّال 1445 - 2 مايو 2024
العربية

ما حكم الاقتصار على اللغة في فهم القرآن؟

416012

تاريخ النشر : 25-04-2023

المشاهدات : 2125

السؤال

ما حكم الاقتصار على فهم النص القرآني على اللغة العربية، من حيث فهم ظاهر النص، مثل: إن آية (كنتم خير أمة أخرجت …) أها تدل على أن الله مدح أمة محمد، دون الرجوع للتفسير؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

لا شك أن العلم بلغة العرب من أهم الآلات المساعدة للمفسر في فهمه لكتاب الله سبحانه، وقد قال سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يوسف/2، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) طه/113.

قال "ابن فارس" (ت: 395): "إنَّ العلمَ بلغةِ العربِ واجبٌ على كُلِّ متعلقٍ منَ العلمِ بالقرآنِ والسُّنَّةِ والفُتْيَا بسببٍ، حتى لا غَنَاءَ بأحدٍ منهم عنه، وذلك أنَّ القرآنَ نازلٌ بلغةِ العربِ، ورسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم عربيٌ.

فَمَنْ أرادَ معرفةَ ما في كتابِ اللهِ جلَّ وعزَّ، وما في سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم من كلِّ كلمةٍ غريبةٍ أو نَظْمٍ عجيبٍ، لم يجدْ مِن العلمِ باللغةِ بُدًّا".

انظر لمزيد من نصوص العلماء، "التفسير اللغوي للقرآن الكريم" (40 - 41).

والوصول لفهم آيات القرآن قد يكتفى فيه باللغة، وقد يحتاج المفسر إلى علم زائد بمجرد باللغة، فهناك من التفسير ما لا يعلمه إلا العلماء، كما ورد عن "ابن عباس" رضي الله عنهما فيما رواه "الطبري" في "تفسيره" (1/ 70).

وانظر: "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (2/ 53 - 55)، "التفسير والمفسرون" (1/ 42).

و"اعتمادَ اللُّغةِ بمفردها، دون النَّظرِ في غيرِها من المصادرِ يوقعُ في الخطأ في التَّفسيرِ، إذ قد يكونُ المدلولُ اللُّغويُّ غيرَ مرادٍ في الآيةِ؛ كقوله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة: 84].

فلو فسَّرتَ الصَّلاةَ بالمدلولِ اللُّغويِّ، لقلتَ: نُهِيَ الرسولُ صلّى الله عليه وسلّم عنِ الدُّعَاءِ لهم.

ولكنَّكَ إذا نظرتَ إلى الواردِ في قصةِ الآيةِ، وهو ما رواه ابنُ عباسٍ (ت: 68) عن عمرَ بن الخطابِ (ت: 23) قال: " لما مات عبدُ اللهِ بنُ أبي سَلُولٍ، دُعِيَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصليَ عليه، فلما قامَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَثَبْتُ إليه، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَتُصَلِّي على ابنِ أبي سَلُولٍ وقد قال يومَ كذا وكذا كذا وكذا؟! قال: أُعدِّدُ عليه قولَه. فتبسَّمَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: (أخِّرْ عني يا عمر)، فلما أكثرتُ عليه، قال: (إني خُيِّرتُ فاخترتُ، ولو أعلمُ أني إن زدتُ على السبعين يُغْفَرُ له لزدتُ عليها) قال: فصلَّى عليه رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، ثمَّ انصرفَ، فلم يمكثْ إلَاّ يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) ـ إلى قوله ـ (وَهُمْ فَاسِقُونَ) التوبة/84، قال: فَعَجِبْتُ من جُرأتي على رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، واللهُ ورسولُه أعلمُ "

علمتَ أنَّ المرادَ بها صلاة الجنازة؛ فإنه سيمنعُكَ ذلك من أنْ تَحْمِلَهَا على المعنى اللُّغويِّ ، انتهى.

"التفسير اللغوي للقرآن الكريم" (50 - 51)، وينظر: "فتح الباري" (8/ 184 - 189)، وتفسير الطبري في تفسير الآيات.

وانظر لأمثلة أخرى: "التفسير اللغوي للقرآن الكريم" (639 - 640).

فخلاصة الأمر، أنَّ اللُّغةَ مصدرٌ من مصادرِ التَّفسيرِ، وهي وإن كانت من أكبرِ مصادرِه، إلَاّ أنَّها لا يُمكن أن تستقِلَّ بفَهمِ القرآنِ، على الوجه، وإن كان سيفهم العارف بها، جمل القرآن، وألفاظه، وتراكيبه العامة، ويخفى عليه ما يحتاج إلى عدة من غير اللغة.

ثالثًا:

مما سبق يُعلم أن في القرآن ما يتبادر إلى الأذهان، ويفهمه الإنسان بمجرد تلاوته، كقوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)الإخلاص/1، وكقوله: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) البقرة/43.

ولكن، لا ينبغي على الإنسان أن يثق بفهمه فحسب، بل عليه أن يرجع إلى كتب التفسير؛ لأن الناس ابتعدوا عن اللغة العربية، وعن طرائق العرب في الكلام، فلينتبه إلى ذلك، وكم من كلمة يظن الناس أنهم يفهمونها، ويكون فهم لها من قبيل الغلط على اللغة.

وراجع كتاب: "300 كلمة قرآنية قد تفهم خطأ".

ودعنا نضرب لك مثالًا، كالآية المذكورة، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) آل عمران/110.

أولًا: المعنى الإجمالي للآية:

"يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم .. والمعنى: أنهم خير الأمم، وأنفع الناس للناس".

"تفسير ابن كثير" (2/ 93).

ثانيًا: الآية من جهة الدلالة اللغوية:

هذه الآية لمن هو عالم باللغة معلومة المفردات والتركيب، ودلالتها اللغوية لا تختلف كثيرًا عن دلالتها التفسيرية، فإن خاصة عمل المفسر معرفة المراد من الآية.

فالآية من جهة الدلالة اللغوية تعني: أنتم خير أمة وجدت أو خلقت.

انظر: "التفسير البسيط" (5/ 495).

ومقتضاها: أن تكون الآية عامة، تشمل كل من يمكن أن يدخل تحتها، ممن هو في جلمة هذه "الأمة".

ثالثًا: الآية من جهة التفسير.

لو نظرنا لكلام أهل التفسير الآية، سنجد أنهم ذكروا في المراد بالآية أقوالا:

1- فقال بعضهم: "هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة، وخاصة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".

2- وقال آخرون: "معنى ذلك: كنتم خير أمة أخرجت للناس، إذا كنتم بهذه الشروط التي وصفهم جل ثناؤه بها".

وهناك أقوال أخرى، يجمعها: أن الله تعالى "يخبر عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم".

"تفسير الطبري" (5/ 671 - 673)، "تفسير ابن كثير" (2/93).

وأنت ترى أن علماء التفسير حين بحثوا هذه الآية، فإنهم ذكروا أمثلة تدخل تحت العموم الناظم لمن اتصف بالشروط المذكورة؛ فالمهاجرون من أهل هذه الآية، وممن اتصف بما فيها من شروط، وخاصةُ أصحاب رسول الله أولى من يدخل في هذه الآية.

وقد ذكر بعض علماء التفسير أن الآية خاصة بالصحابة رضي الله عنهم.

وعلى هذا لا يكون ذكر المهاجرين، أو خاصة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، على سبيل التمثيل لمن تشملهم الآية؛ بل على وجه الحصر البياني للأمة المرادة بالخيرية فيها.

انظر: "تفسير ابن عطية" (1/489)، "الفوائد السنية في شرح الألفية" (2/ 570).

وعلى هذا الوجه، والذي قبله: يتبين أن اللغة مما يعين على فهم القرآن الكريم، مع الحاجة إلى الرجوع إلى مصادر التفسير الأخرى، وبخاصة: (أقوال السلف).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب