الجمعة 28 جمادى الأولى 1446 - 29 نوفمبر 2024
العربية

معنى (المطففين)، وهل التطفيف خاص بالكيل والميزان؟

421949

تاريخ النشر : 11-04-2023

المشاهدات : 19998

السؤال

هل الآية الكريمة (ويل للمطففين) يقصد بها المطففين في معاملات التجارة فقط؟ أم كل من زاد في حقه، وأنقص من حق غيره عليه؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

أصل المعنى في هذه الآية البخس في المكيال والميزان، ويدل على ذلك سبب نزول الآية الكريمة، وقد ثبت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ كَانُوا مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ كَيْلًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ‌وَيْلٌ ‌لِلْمُطَفِّفِينَ. فَأَحْسَنُوا الْكَيْلَ بَعْدَ ذَلِكَ".

رواه ابن ماجه (2222)، وحسنه الألباني.

ومعنى التطفيف، "يعني: الذين ينقصون الناس، ويبخسون حقوقهم في الكيل والوزن، وأصله: من الشيء الطفيف، وهو النزر القليل، وإناء طَفّان: إذا لم يكن ملآن، ومنه قيل للقوم يكونون سواء في حسب أو عدد: هم كطف الصاع، أي: كقرب الملء منه ناقص عن الملء".

انظر: "تفسير الطبري" (24/185)، "تفسير الثعلبي" (29/31).

والمطفف في اللغة: "المُقَلِّلُ حَقَّ صاحبِ الحقِّ عَمَّا لَهُ من الوفاء في كيل أو وزن"، انتهى من "الهداية الى بلوغ النهاية" (12/8114).

قال "ابن كثير": "فَالْمُرَادُ بِالتَّطْفِيفِ هَاهُنَا: البَخْس فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، إِمَّا بِالِازْدِيَادِ إِنِ اقْتَضَى مِنَ النَّاسِ، وَإِمَّا بِالنُّقْصَانِ إِنْ قَضَاهم. وَلِهَذَا فَسَّرَ تَعَالَى الْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ وَعَدَهُمْ بالخَسَار والهَلاك وَهُوَ الْوَيْلُ، بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ أَيْ: مِنَ النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ أَيْ: يَأْخُذُونَ حَقَّهُمْ بِالْوَافِي وَالزَّائِدِ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَيْ: يَنْقصُونَ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ-تَعَالَى-بِالْوَفَاءِ فِي الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ، فَقَالَ: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا [الْإِسْرَاءِ: 35] ، وَقَالَ: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا [الْأَنْعَامِ: 152] ، وَقَالَ: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرَّحْمَنِ: 9] . وَأَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَ شُعَيْبٍ ودَمَّرهم عَلَى مَا كَانُوا يَبْخَسُونَ النَّاسَ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ".

انتهى من "تفسير ابن كثير" (8/ 346-347).

ثانيًا:

ومع كون المعنى الذي تدل عليه الآية في الأصل في المكيال والميزان، إلا أنها تشير إلى العدل في كل أمر، ومن هنا ذهب بعض العلماء إلى تعميم التطفيف عام في كل قول وعمل، ولا يختص بالتطفيف في الكيل والميزان.

قال ابن عطية: "والمطفف: الذي ينقص الناس حقوقهم، والتطفيف: النقص، أصله من الشيء الطفيف وهو النزر، والمطفف إنما يأخذ بالميزان شيئًا طفيفًا.

وقال سلمان: الصلاة مكيال، فمن أوفى وفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين.

وقال بعض العلماء: يدخل التطفيف في كل قول وعمل، ومنه قول عمر: طفَّفت، ومعناه: نقصت الأجر والعمل، وكذا قال مالك رحمه الله: يقال لكل شيء وفاءٌ وتطفيف. فقد جاء بالنقيضين.

وقد ذهب بعض الناس إلى أن التطفيف هو تجاوز الحد في وفاء ونقصان.

والمعنى والقرائن، بحسب كل قولٍ: تبين المراد، وهذا عندي جيد صحيح، وقد بين تعالى أن التطفيف إنما أراد به أمر الوزن والكيل"، انتهى.

"المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" (5/ 449-450).

وأثر سَلمان الذي ذكره:

"إنّما الصلاةُ مِكيالٌ؛ فمَن أَوْفَى أُوفِيَ له، ومن طَفَّف فقد سَمِعْتم ما قال اللهُ في المُطفِّفينَ".

رواه سعيد بن منصور (8/ 275 - 276)، (22845).

وممن وسع مفهوم التطفيف، الشيخ "السعدي" رحمه الله، قال:

"وفسر الله‌‌ المطففين بقوله (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ) أي: أخذوا منهم، وفاء عما ثبت لهم قِبَلهم.

(يَسْتَوْفُونَ): يستوفونه كاملا من غير نقص.

(وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) أي: إذا أعطوا الناس حقهم، الذي للناس عليهم بكيل أو وزن.

(يُخْسِرُونَ) أي: ينقصونهم ذلك، إما بمكيال وميزان ناقصين، أو بعدم ملء المكيال والميزان، أو نحو ذلك، فهذا سرقة لأموال الناس، وعدم إنصاف لهم منهم.

وإذا كان هذا الوعيد على الذين يبخسون الناس بالمكيال والميزان، فالذي يأخذ أموالهم قهرًا أو سرقة، أولى بهذا الوعيد من المطففين.

ودلت الآية الكريمة، على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له، يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات.

بل يدخل في عموم هذا: الحجج والمقالات، فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ماله من الحجج، فيجب عليه أيضًا أن يبين ما لخصمه من الحجج التي لا يعلمها ، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو، وفي هذا الموضع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه، وتواضعه من كبره، وعقله من سفهه، نسأل الله التوفيق لكل خير.

ثم توعد تعالى المطففين، وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه، فقال: أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فالذي جرأهم على التطفيف عدم إيمانهم باليوم الآخر، وإلا فلو آمنوا به، وعرفوا أنهم يقومون بين يدى الله، يحاسبهم على القليل والكثير، لأقلعوا عن ذلك وتابوا منه" انتهى من "تيسير الكريم الرحمن" (915).

فالحاصل: أن أصل دلالة الآية على التطفيف في المكيال والميزان، ولا مانع من أن تدل الآية بإشارتها على من ينقص الناس حقوقهم، عافانا الله من التطفيف وأهله.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب