الحمد لله.
ليس المقصود من الآية أن حالهم كانت عند خروجهم من الكهف حالا قبيحة، بل المقصود أمر آخر وراء ذلك، فقد أراد الله أن يحفظهم مدة بقائهم في الكهف، من أن يتصل بهم من قد يراهم داخل الكهف، خلال هذه المدة الطويلة، ممن قد يرتاد هذه الجبال، فألقى الله عليهم مهابة وجلالا تجعل من يراهم تأخذه هيبتهم، فينصرف مذعورًا، كمن يرى هيبة ملك فيولي خائفًا.
يقول الإمام الطبري في نص يبين حسن هيئتهم حين يقظتهم: "يقول تعالى ذكره: كما أرقدنا هؤلاء الفتية في الكهف، فحفظناهم من وصول واصل إليهم، وعين ناظر أن ينظر إليهم، وحفظنا أجسامهم من البِلَى على طول الزمان، وثيابهم من العفن على مرّ الأيام بقدرتنا؛ فكذلك بعثناهم من رقدتهم، وأيقظناهم من نومهم، لنعرّفهم عظيم سلطاننا، وعجيب فعلنا في خلقنا، وليزدادوا بصيرة في أمرهم الذي هم عليه، من براءتهم من عبادة الآلهة، وإخلاصهم لعبادة الله وحده لا شريك له، إذا تبيَّنوا طول الزمان عليهم، وهم بهيئتهم حين رقدوا" انتهى، من "جامع البيان" (15/195).
وقال الإمام البغوي في "تفسيره" (5/159): "لما ألبسهم الله من الهيبة حتى لا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله فيوقظهم الله تعالى من رقدتهم ...
وقيل: إن الله تعالى منعهم بالرعب لئلا يراهم أحد".
وقال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (5/145): "أي: أنه تعالى ألقى عليهم المهابة بحيث لا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم؛ لما أُلبسوا من المهابة والذعر، لئلا يدنو منهم أحد، ولا تمسهم يد لامس، حتى يبلغ الكتاب أجله، وتنقضي رقدتهم التي شاء تبارك وتعالى فيهم، لما له في ذلك من الحجة والحكمة البالغة، والرحمة الواسعة".
فيظهر مما تقدم أن حالتهم عند القيام كانت حالا مألوفة للناس، لم يخرجوا في هيئتهم ولا أشكالهم، عما يعتادونه، ولم يكن فحش منظرهم، وبشاعة مرآتهم، هو الموجب للفرار منهم، أو الرعب من منظرهم.
قال العلامة ابن عاشور، رحمه الله:
"والمعنى: لو اطلعت عليهم ولم تكن علمت بقصتهم لحسبتهم لصوصا قطاعا للطريق، إذ هم عدد في كهف وكانت الكهوف مخابئ لقطاع الطريق، كما قال تأبط شرا:
أَقُولُ لِلِحْيانٍ وَقد صَفِرَتْ لَهُمْ * وِطابي، ويَوْمِي ضَيِّقُ الحَجْرِ مُعْوِرُ
ففررت منهم وملكك الرعب من شرهم، كقوله تعالى: نكرهم وأوجس منهم خيفة [هود: 70] . وليس المراد الرعب من ذواتهم إذ ليس في ذواتهم ما يخالف خلق الناس، ولا الخوف من كونهم أمواتا إذ لم يكن الرعب من الأموات من خلال العرب، على أنه قد سبق وتحسبهم أيقاظا وهم رقود.". انتهى، من "التحرير والتنوير" (15/282).
والله أعلم.
تعليق