الحمد لله.
قبل الإجابة لا بدّ أن نقدّر لك أيها السائل اهتمامك بدين الإسلام وسعيك لمعرفة الحقّ وأنّك تركت دينا باطلا وهو النّصرانية لتبحث عن الدّين الصحيح وهذا موقف نبيل يدلّ على تجرّدك من التقليد الأعمى والانعتاق من أسْر العادات وما نشأت عليه وقد قال ربنا تبارك وتعالى ينعى على من يقلّد بالباطل : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءابَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ءابَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (170) سورة البقرة ، ووصف الله قوما من النصارى لما عرفوا بدين الإسلام وسمعوا الوحي الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه فاتّبعوا الحقّ وانقادوا له فقال الله عنهم : ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(83) وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ(84) سورة المائدة ، ويجب أن نشكر لك أيضا فهمك لأهمية الصلوات الخمس ووجوبها في أوقاتها ، ونحن نحبّ أن نؤكّد على حقيقة مهمة في دين الإسلام وهي أنّ الذي أنزله وشرع أحكامه ورضيه لعباده هو الله عزّ وجلّ الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو علام الغيوب يعلم ما كان ويكون وما سيكون ويعلم قبل أن يخلق السماوات والأرض أنّه سيكون هناك وقت يتطور فيه الطبّ عند البشر وأنّ أطباءهم سيجرون العمليات الجراحية الطويلة كعمليات القلب المفتوح وعمليات زراعة الأعضاء كالكبد وعمليات سرطان المريء وعمليات إصابات حوادث السيارات المعقّدة وغيرها ، ولذلك فإن الشريعة التي أنزلها صالحة لكلّ زمان ومكان لا تتعارض مع تقدّم علميّ ولا واجب عمليّ ، وقبل الشّروع في الإجابة المفّصلة عما أُشكل عليك نورد الملاحظات التالية :
- أن مثل هذه العمليات عادة ما يقوم بها فريق جراحي يتضمّن جراحين مساعدين مع الجراحين الأساسيين بحيث يُمكن التناوب عند الحاجة .
- أنّ بعض العمليات يقوم فيها الأطباء المشاركون بأدوار مختلفة وموزّعة بحسب تخصّصاتهم وليس يحصل دائما أن يستمر واحد في العملية الطويلة من أولها إلى آخرها فترى واحدا يشقّ والآخر طبيب قلب والثالث متخصص في جراحة الأوعية الدموية ثم يأتي الأول ليخيط الجرح في النهاية وفي بعض العمليات قد لا يتعدى دور الطبيب المتخصص نصف وقت العملية ككل .
- إنّ العمليات التي تستغرق ساعات طويلة جدا كعشر ساعات فما فوق هي عمليات نادرة أو قليلة العدد وليست كثيرة .
- وأما بالنسبة للإجابة المفصّلة عن كيفية أداء الطبيب الجراح للصلاة فهي كما يلي :
(1) الأصل أن تُصلى كل صلاة في وقتها ، قال الله تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) .
(2) إذا كانت العملية طويلة فيحاول الطبيب أن يبدأ العملية بعد الصلاة في أول وقت الصلاة الأولى إلى ما قبل نهاية وقت الصلاة التي بعدها ، ليتمكّن من أداء كل صلاة في وقتها .
(3) ينبغي ما أمكن ترتيب جداول العمليات بحيث لا يأتي وقت صلاتين معا كأن تبدأ العملية الطويلة في الصّباح الباكر وتستمر إلى ما قبل صلاة العصر بحيث يصلي الظّهر في وقتها فيتوفّر لديه ساعات عدّة لعمل متواصل ، فلو بدأ مثلا العملية في الساعة الثامنة صباحا وانتهى في الساعة الثانية بعد الظّهر فيكون لديه ستّ ساعات عمل متواصلة لو أراد .
(4) إذا كان يمكن أن يذهب للصلاة في وقتها أثناء العملية ويُكمل العمل غيره من أعضاء الفريق الجراحي ثم يتبادلون الأدوار فعلوا ذلك . ونحن نتساءل لو أنّ الطبيب حضره قضاء الحاجة أثناء العملية ماذا يفعل ؟ إن ترتيبات العمليات الجراحية تُشير إلى إمكانية مراعاة هذا ، بل قد علمنا أن بعض الجراحين يرتاح قليلا أو يأكل في وقت العملية الطويلة ويتابع غيره فمراعاة الصلاة من باب أولى .
(5) إذا لم يمكن ما تقدّم فلا حرج في الجمع بين الصلاتين للحاجة كالجمع بين صلاتي الظّهر والعصر فيصلّيهما جمع تأخير في وقت صلاة العصر .
(6) وفي الحالات النادرة جدا لو استمرت العملية وقتا طويلا جدا يتجاوز وقت الصلاتين المجموعتين كأن تبدأ قبل الظّهر وتنتهي بعد المغرب ولم يمكنه الخروج لأداء الصلاة فإنّه يصلي على حسب حاله ، نعم يصلي أثناء العملية فيكبّر تكبيرة الافتتاح ويقرأ القرآن ويومئ عند الركوع والسجود ما أمكنه جاعلا سجوده أخفض من ركوعه كحال المقاتل في جبهة القتال عند الالتحام بالأعداء في المعارك الطويلة أو في حالات المطاردة أو الفرار من العدو يصلي على حسب حاله ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها والحمد لله الذي لم يجعل علينا في الدين من حرج .
وهذه الأحكام أدلتها ثابتة وأقوال العلماء فيها وفي حالاتها معروفة ومبثوثة في كتب الفقه الإسلامي مما يدلّ بجلاء على مرونة هذه الشريعة الإسلامية المباركة واستيعابها لكافّة المستجدّات والتطورّات في عالم البشر في القديم والحديث وليس ذلك بغريب ، أليست تنزيلا من حكيم حميد وعليم خبير .
وختاما ندعوك أيها السائل اللبيب إلى المسارعة بالدخول في دين الإسلام الذي يكفل السعادة لمن اتّبعه في الدنيا والآخرة ويقدّم الحلول لسائر المشكلات ونحن على استعداد لتقديم ما يلزم من الإيضاحات ، والله الموفّق والهادي إلى سواء السبيل .
تعليق