الحمد لله.
أولًا:
هذا الحديث أخرجه بالإسناد والمتن المذكورين الإمام الترمذي (3607)، وأخرجه كذلك مع اختلاف يسير في المتن والإسناد (3532، 3608)، وأخرجه أيضًا باختلافات يسيرة الإمام أحمد (1788، 17658)، وابن أبي شيبة (32296) والبزار (1316)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (1/167، 168)، والطبراني (20/ 675، 676).
وكل هذه الأسانيد من طريق "يزيد بن أبي زياد"، وهو ليس بثقة، قال عبد الله بن الإمام أحمد: "حديثه ليس بذاك" انتهى، من "العلل ومعرفة الرجال" (3180)، وقال ابن أبي حاتم: "لين، يكتب حديثه ولا يحتج به" انتهى، من "الجرح والتعديل" (9/265)، وقال النسائي: "ليس بالقوي" انتهى، من "الضعفاء والمتروكين" (682).
لذلك فالراجح ضعف هذا الحديث، وقد ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (ص232)، وأصحاب "المسند المصنف المعلل" (10/578).
ثانيًا:
يبعث الأنبياء في شرف ونسب من أقوامهم، فهذا من مقومات كمالهم وفضلهم.
قال القاضي عياض رحمه الله: "اعلم وفقنا الله وإياك أن صفات جميع الأنبياء ـصلوات الله عليهم ـمن كمال الخلق، وحسن الصورة، وشرف النسب، وحسن الخُلق، وجميع المحاسن، هي هذه الصفة، لأنها صفات الكمال، والكمال والتمام البشري والفضل الجميع لهم صلوات الله عليهم، إذ رتبتهم أشرف الرتب، ودرجاتهم أرفع الدرجات، ولكن فضل الله بعضهم على بعض، قال الله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) البقرة/253"
انتهى من "الشفا" (1/147).
وقال القاضي عياض أيضا: "وأما شرف نسبه، وكرم بلده ومنشئه: فمما لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه، ولا بيان مشكل، ولا خفي منه، فإنه نخبة بني هاشم، وسلالة قريش وصميمها، وأشرف العرب، وأعزهم نفرا من قِبَل أبيه وأمه ومن أهل مكة من أكرم بلاد الله على الله وعلى عباده" انتهى من "الشفا" (1/81).
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) رواه مسلم (2276).
وقد ذكر ابن القيم في "زاد المعاد" (1/53) نسب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "وهو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق، فلنسبه من الشرف أعلى ذروة، وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك، ولهذا شهد له به عدوه إذ ذاك أبو سفيان، بين يدي ملك الروم؛ فأشرف القوم قومه، وأشرف القبائل قبيلته، وأشرف الأفخاذ فخذه - (أي: أشرف فرع من عَشِيرته فرعه) - .
فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.. إلى هاهنا معلوم الصحة، متفق عليه بين النسَّابين، ولا خلاف فيه البتة، وما فوق عدنان فمختلف فيه" انتهى.
ثالثًا:
الثابت الصحيح القطعي هو أن قوم النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يعرفون نسبه ويشهدون بشرفه، وفي "صحيح البخاري"(7) أن أبا سفيان بن حرب شيخ بني أمية وسيدها وأحد أئمة قريش، وكان من ألدّ أعداء النبي عليه الصلاة والسلام، وهو يشهد ويقول: "أنَّ هِرَقْلَ أرْسَلَ إلَيْهِ في رَكْبٍ مِن قُرَيْشٍ، وكَانُوا تُجَّارًا بالشَّأْمِ في المُدَّةِ الَّتي كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَادَّ فِيهَا أبَا سُفْيَانَ وكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فأتَوْهُ وهُمْ بإيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ في مَجْلِسِهِ، وحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ ودَعَا بتَرْجُمَانِهِ، فَقَالَ: أيُّكُمْ أقْرَبُ نَسَبًا بهذا الرَّجُلِ الذي يَزْعُمُ أنَّه نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أبو سُفْيَانَ: فَقُلتُ أنَا أقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَالَ: أدْنُوهُ مِنِّي، وقَرِّبُوا أصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لهمْ إنِّي سَائِلٌ هذا عن هذا الرَّجُلِ، فإنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلَا الحَيَاءُ مِن أنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عنْه. ثُمَّ كانَ أوَّلَ ما سَأَلَنِي عنْه أنْ قَالَ: كيفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلتُ: هو فِينَا ذُو نَسَبٍ".
وانظر جواب السؤال: (289868) .
والله أعلم.
تعليق