المراد بقوله تعالى: أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ: أهل القوة في العبادة، والبصيرة في دين الله، وأشبه ما يظهر من الحكمة في تقديم الأيدي على الأبصار: مراعاة الفاصلة في الآيات.
ما المقصود بقوله تعالى (أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ)ِ؟
السؤال: 497779
لماذا قدم الله تعالى الأيدي على الأبصار في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ)ِ ص/45 ؟
لم أجد قولاً لأحد السلف بهذه المسألة، الرجاء الإدلاء بأحد أراء السلف إذا وُجد.
ملخص الجواب
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولا:
قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره (20/ 114): "وقوله: (أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ) ويعني بالأيدي: القوة، يقول: أهل القوة على عبادة الله وطاعته ويعني بالأبصار: أنهم أهل إبصار القلوب، يعني به: أولي العقول للحق".
ثم روى: عن ابن عباس، قوله: (أُولِي الْأَيْدِي) يقول: "أولي القوة والعبادة، والأبصار يقول: الفقه في الدين".
وروى ابن المبارك في "الزهد" (1516)، عن سعيد، في قول الله سبحانه وتعالى أولي الأيدي والأبصار قال: " الأيدي: القوة في العمل، والأبصار: بصرهم ما هم فيه من دينهم".
و"سعيد" هو ابن جبير، كما صرح به أبو عبيد القاسم في "غريب الحديث" (5/279).
ورواه كذلك سعيد بن منصور في "تفسيره" (1853): عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ؛ في قولِهِ عز وجل: أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ؛ قال: الأيدي: القوةُ في العملِ، والأبصارُ: البصرُ في أمرِ دينِهم.
وروى عبد الرزاق في "تفسيره" (2607)، عَنْ قَتَادَةَ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ قَالَ: أُولِي الْقُوَّةِ فِي الْعِبَادَةِ.
ورواه الطبري (20/115) عن قتادة بلفظ: " أُعطوا قوةً في العبادةِ، وبصرًا في الدينِ".
وروى الطبري في "تفسيره" (20/115) عن مجاهدٍ: أُولِي الْأَيْدِي. قال: الأيدى: القوةُ في أمرِ اللهِ، وَالْأَبْصَارِ: العقولِ.
ثم روى من وجه آخر عن مجاهدٍ: أُولِي الْأَيْدِي. قال: القوةِ في طاعةِ اللهِ. وَالْأَبْصَارِ: قال: البصرِ في الحقِّ.
ورواه بنحو منه، عن مجاهد: ابن أبي الدنيا في "العقل وفضله".
وروى إسحاق البستي في تفسيره (619): عن الحسن: أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ يعني: أولو القوة، قال: وكان أبو عمرو يقول: أولي الأيد والأبصار يعني البصر في الدين.
والحاصل:
أن مقالات السلف والأئمة متفقة على أن "الأيدي" في الآية الكريمة: معناها "القوة"؛ والقوة التي مدحهم الله بها: هي القوة في القيام بأمر الله وطاعته؛ لا متهاونين، ولا متكاسلين.
وهكذا البصر الذي مدح الله بها أنبياءه وأولياءه: هو بصرهم بالحق، وأنهم يعبدون الله على "بصيرة" من أمرهم، وبصيرة بدينه الذي شرعه لهم.
وليس المراد أن لهم "أيدي" يبطشون بها، كما للناس سواهم أيدي؛ فهذا أمر مفهوم، لا اختصاص لهم به، ولا مدح لهم فيه. وهكذا الأبصار: ليس المراد أن لهم أعينا يبصرون بها الأشياء.
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي، رحمه الله: «قال الله تعالى أولي الأيدي والأبصار أي: أولي البصر والعقول بدين الله؛ لأن كل الناس أولي أيدي وأبصار فلما خص هؤلاء الأنبياء بها؛ علم كل عالم أنها ليست بالأيدي التي يضرب بها ويكتب؛ لما أن الناس كلهم أولو أيدي وأبصار، التي هي الجوارح». انتهى، من نقض الدارمي على المريسي (ص103).
قال الإمام الطبري، رحمه الله: "فإن قال لنا قائلٌ: وما الأيدى من القوةِ، والأيدي إنما هي جمعُ يدٍ، واليدُ جارحةٌ؟ وما العقولُ من الأبصارِ، وإنما الأبصارُ جمعُ بصرٍ؟
قيل: إن ذلك مَثَلٌ. وذلك أن باليدِ البطشَ، وبالبطشِ تُعرَفُ قوَّةُ القَوِيِّ؛ فلذلك قيل للقويِّ: ذو يَدٍ. وأما البصرُ فإنه عنَى به بصرَ القلبِ، وبه تُنالُ معرفةُ الأشياءِ، فلذلك قيل للرجلِ العالمِ بالشيءِ: بصيرٌ به". انتهى، من "تفسير الطبري" (20/ 116).
وقال ابن عاشور رحمه الله:
والأيدي: جمع يد، بمعنى القوة في الدين، كقوله تعالى: (والسماء بنيناها بأيد) الذاريات/47.
والأبصار: جمع بصر: وهو النظر الفكري، المعروف بالبصيرة، أي التبصر في مراعاة أحكام الله تعالى، وتوخي مرضاته. انتهى من "التحرير والتنوير" (23/ 276).
وقال النيسابوري، رحمه الله: "ومعنى (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ): أولي العمل، والعلم. لأن اليد آلة لأكثر الأعمال، والبصر آلة لأقوى الإدراكات، فحسن التعبير عن العمل باليد، وعن الإدراك بالبصر.
وفيه تعريض بأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة، ولا يتفكرون أفكار ذوي العقول والعرفان؛ فهم في حكم الزمْنَى، والعُميان!!". انتهى، من "غرائب القرآن ورغائب الفرقان" (5/ 603).
ثانيا:
على كثرة ما وقفنا عليه من المقالات السلفية في تقرير معنى الآية، واتفاق أقوالهم على المعنى المذكور فيها، كما سبق نقله؛ فلم نقف على من أشار منهم إلى "النكتة" في تقديم "الأيدي" على "الأبصار"، وليست العناية بمثل ذلك مما يعرف ويشتهر في مقالات السلف في التفسير، وإنما يكثر ذلك في أهل العناية باللغات والمعاني، من المشتغلين بالقرآن وعلومه.
ثم، حتى هؤلاء لم نقف على من ذكر هذه النكتة، أو أشار إليه.
وغاية ما بدا لنا من القول فيها: أن (الأيدي) إنما قدمت، لتختم الآية بـ(الأبصار)، مراعاة للفاصلة في أواخر الآيات المذكورة معها هنا.
ولم نقف، وراء ذلك، على معنى محرر يقال. وقد قال الله لنبيه، صلى الله عليه وسلم، في هذه السورة الكريمة، نفسها: قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِينَ .
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟