الحمد لله.
أولا :
جعل الشرع نكاح المرأة إلى وليها، لأنه أقدر منها على معرفة الزوج الذي يصلح لها، أما المرأة فإنه يسهل التلاعب بعواطفها ، وينظر جواب السؤال رقم (208843) .
والأصل أن الخاطب المتقدم إذا كان صاحب دين وخلق، فينبغي قبوله ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) رواه الترمذي (1084) وحسنه الألباني في إرواء الغليل (1868) .
ولكن هناك أمور أخرى يضعها الولي في الاعتبار، تكون من مصلحة المرأة، ولذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة بنت قيس أن ترفض معاوية بن أبي سفيان لما خطبها ، لأنه كان فقيرا ، لا مال له . رواه مسلم (1480) .
هذا، مع كونه رضي الله عنه في أعلى درجات الدين والخلق ، ولكن ليس من مصلحة المرأة أن تتزوج من رجل فقير ، فإنها تتضرر بهذا ، وتشق عليها الحياة.
كما أشار عليها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه بأن لا تقبل أبا جهم أيضا ، لأنه كان كثير الضرب للنساء ، وهذا يؤذي المرأة .
وينظر جواب السؤال رقم (236915) .
وقد أجاز العلماء للمرأة أن تشترط شروطا تراها محققة مصلحة لها ، منها : أن لا يسافر بها الزوج من بلدها .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"وَجُمْلَةُ ذَلِكَ : أَنَّ الشُّرُوطَ فِي النِّكَاحِ تَنْقَسِمُ أَقْسَامًا ثَلَاثَةً ، أَحَدُهَا : مَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ ، وَهُوَ مَا يَعُودُ إلَيْهَا نَفْعُهُ وَفَائِدَتُهُ ، مِثْلُ : أَنْ يَشْتَرِطَ لَهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا أَوْ لَا يُسَافِرَ بِهَا ، أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَهَذَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ لَهَا بِهِ" انتهى، المغني (9/483) .
بل أجاز العلماء للولي أن يشترط هذا الشرط إذا كان فيه مصلحة له ، وليس لابنته ، كما لو كان الأب رجلا كبيرا في السن وليس عنده من يخدمه إلا ابنته ، فيشترط على الخاطب أن لا يسافر بابنته ، من أجل أن تستمر في خدمته ، فذلك جائز .
وينظر جواب السؤال رقم (217975) .
ثانيا :
الإقامة في الدول غير الإسلامية ، قد تكون جائزة ، وقد تكون محرمة ، حسب حال المسلم في هذه البلاد، وقدرته على الحفاظ على دينه، ودين مَن معه مِن زوجة وولد، وقدرتهم على إظهار شعائره.
ثم ينظر في ذلك أيضا إلى السبب الذي من أجله أقام هناك ، وهل هي ضرورة أم لا ؟
وينظر لبيان ذلك جواب السؤال رقم (13363) .
والواقع: أن الإقامة في الدول غير الإسلامية تنطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة لدين المسلم وأخلاقه ، ويكون الأمر أشد خطورة بالنسبة لأولاده الصغار .
ولذلك؛ فمن حق الولي – وقد يكون من واجبه - أن يرفض الخاطب إذا كان سيقيم في دولة غير إسلامية؛ وذلك لما يخشى على من يقيم في تلك البلاد من الفتنة في دينه، أو عدم القدرة على ممارسته، وإظهار شعائره، كما هو معلوم مشاهد.
ثم، الخطر الأكبر من الإقامة في هذه البلاد: تضرر الأبناء في دينهم، وعدم القدرة على الحفاظ عليه، وعلى أخلاقهم وتربيتهم الصالحة.
والله أعلم .
تعليق