الجمعة 7 جمادى الأولى 1446 - 8 نوفمبر 2024
العربية

توجيه ما ورد في الحديث أن أمة النصارى أطول عمرا من أمة الإسلام.

501860

تاريخ النشر : 27-03-2024

المشاهدات : 3096

السؤال

أريد أن أسأل على سؤالين متعلقين بالحديث الصحيح في البخاري رقم (7467):( إنَّما أَجَلُكُمْ في أَجَلِ مَن خَلَا مِنَ الأُمَمِ، ما بيْنَ صَلَاةِ العَصْرِ إلى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، وإنَّما مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ اليَهُودِ، وَالنَّصَارَى، كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا، فَقالَ: مَن يَعْمَلُ لي إلى نِصْفِ النَّهَارِ علَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، فَعَمِلَتِ اليَهُودُ إلى نِصْفِ النَّهَارِ علَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قالَ: مَن يَعْمَلُ لي مِن نِصْفِ النَّهَارِ إلى صَلَاةِ العَصْرِ علَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، فَعَمِلَتِ النَّصَارَى مِن نِصْفِ النَّهَارِ إلى صَلَاةِ العَصْرِ علَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قالَ: مَن يَعْمَلُ لي مِن صَلَاةِ العَصْرِ إلى مَغْرِبِ الشَّمْسِ علَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، أَلَا، فأنْتُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِن صَلَاةِ العَصْرِ إلى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، علَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، أَلَا لَكُمُ الأجْرُ مَرَّتَيْنِ، فَغَضِبَتِ اليَهُودُ، وَالنَّصَارَى، فَقالوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً، قالَ اللَّهُ: هلْ ظَلَمْتُكُمْ مِن حَقِّكُمْ شيئًا؟ قالوا: لَا، قالَ: فإنَّه فَضْلِي أُعْطِيهِ مَن شِئْتُ). السؤالين هما: 1. هذا الحديث يخبر أن حسب فهمي الضئيل أن عمر أمة عيسى أكبر من عمر أمة محمد، وكيف هذا إذا كان عمر أمة عيسى كانت في حدود 600 سنة؛ لأن سيدنا محمد جاء بعد سيدنا عيسى ب 600 و نحن تجاوزنا ال 1400 سنة؟ 2. بعض الناس يستشهدون بهذا الحديث، ومع حساب عمر كل أمة استنبطوا أن عمر الأمة لا يزيد عن 1500سنة، فما ردكم؟ 3. ما التفسير الصحيح لهذا الحديث؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الحديث رواه البخاري (577) عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا إِلَى صَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِينَا القُرْآنَ، فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ: أَهْلُ الكِتَابَيْنِ: أَيْ رَبَّنَا، أَعْطَيْتَ هَؤُلاَءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ.

ورواه البخاري في مواضع أخر بألفاظ قريبة، ورواه من حديث أبي موسى، وهو قضية أخرى كما رجح الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/40).

وظاهر الحديث: أن مدة عمل النصارى أكثر من مدة عمل المسلمين؛ لأنهم قالوا: (وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا)، مع أن المدة ما بين الظهر إلى العصر كالمدة التي بين العصر والمغرب، فيما قيل.

وأيضا؛ فعمر هذه الأمة قد جاوز ألفا وأربعمائة سنة، وعمر النصاري قريبا من ستمائة سنة.

وقد سلك أهل العلم في الجواب عن ذلك مسلكين:

1-منهم من احتج به على أن وقت العصر يدخل بمصير ظل كل شيء مثليه، وهذا مذهب الحنفية. قالوا: لأنه لو كان أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثله، لكان مدة عملهم ومدة عمل المسلمين سواء؛ ومعلوم أن من مصير ظل الشيء مثليه إلى الغروب، أقل مما بين الظهر والعصر.

وهذا الجواب لا يحل الإشكال في أن عمر أمة الإسلام اليوم قد تَجاوز عمرَ النصارى، فكيف صار الوقت القصير قبل غروب الشمس، أطول مما بين الظهر والعصر؟!

2-وأجاب الجمهور - القائلون بأن العصر يدخل بمصير ظل كل شيء مثلَه - بأن المراد بقولهم: (وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا): أن عمل مجموع اليهود والنصارى أكثر، لا عمل النصارى وحدهم.

أو بأن هذا من قول اليهود، والحديث عام أريد به الخصوص.

أو بأن الوقت بين الظهر والعصر، أطول مما بين العصر والمغرب، وحينئذ؛ فلا إشكال.

قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري" (4/341):

"فاستدَلَّ بذلك من قال: إن أول وقت العصر مصيرُ كل شيء مثليه، وهم أصحاب أبي حنفية، قالوا: لأنه لو كان أول وقت العصر مصير ظل كل شيء مثله، لكان مدة عملهم ومدة عمل المسلمين سواء.

وأجاب عن ذلك من قال: إن أول وقت العصر مصير ظل الشيء مثله من أصحابنا والشافعية وغيرهم بوجوه:

منها: أن أحاديث المواقيت مصرحة بأن أول وقت العصر مصير ظل الشيء مثله، وهذا الحديثُ إنما ساقه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مساقَ ضربِ الأمثال، والأمثال مظنة التوسع فيها، فكان الأخذ بأحاديث توقيت العصر المسوقة لبيان الوقت أولى.

ومنها: أن المراد بقولهم: (أكثر عملاً): أن عمل مجموع الفريقين أكثر.

فإن قيل: فقد قالوا: (وأقل أجراً)، ومجموع الفريقين لهم قيراطان، كأجر هذه الأمة.

قيل: لكن القيراطان في مقابلة عملٍ كثير، فإنهما عملا ثلاثة أرباع النهار بقيراطين، وعمل المسلمون ربع النهار بقيراطين، فلذلك كان أولئك أقل أجراً...

ومنها: أن كثرة العمل لا يلزم منه طول المدة، فقد يعمل الإنسان في مدة قصيرة، أكثر مما يعمل غيره في مدة طويلة.

وقد ضُعّف هذا؛ بأن ظاهر الحديث يرده، ويدل على اعتبار طول المدة وقصرها، إلا أن يقال: كنَّى عن كثرة العلم وقلته، بطول المدة وقصرها، وفيه بُعْد" انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (2/40): " قوله في حديث ابن عمر: (ونحن كنا أكثر عملا): تمسك به بعض الحنفية كأبي زيد في كتاب الأسرار؛ إلى أن وقت العصر من مصير ظل كل شيء مثليه؛ لأنه لو كان من مصير ظل كل شيء مثله، لكان مساويا لوقت الظهر، وقد قالوا: (كنا أكثر عملا)؛ فدل على أنه دون وقت الظهر.

وأجيب بمنع المساواة، وذلك معروف عند أهل العلم بهذا الفن، وهو أن المدة التي بين الظهر والعصر أطول من المدة التي بين العصر والمغرب...

وعلى التنزُّل؛ لا يلزم من التمثيل والتشبيه التسوية من كل جهة.

وبأن الخبر إذا أورد في معنى مقصود، لا تؤخذ منه المعارضة لما ورد في ذلك المعنى بعينه، مقصودا في أمر آخر.

وبأنه ليس في الخبر نص على أن كلا من الطائفتين أكثر عملا؛ لصدق أن كلهم مجتمعين أكثر عملا من المسلمين.

وباحتمال أن يكون أطلق ذلك تغليبا.

وباحتمال أن يكون ذلك قول اليهود خاصة، فيندفع الاعتراض من أصله، كما جزم به بعضهم، وتكون نسبة ذلك للجميع في الظاهر غير مرادة، بل هو عموم أريد به الخصوص، أطلق ذلك تغليبا.

وبأنه لا يلزم من كونهم أكثر عملا، أن يكونوا أكثر زمانا؛ لاحتمال كون العمل في زمنهم كان أشق، ويؤيده قوله تعالى: (ربنا ولا تحمل علينا أصرا كما حملته على الذين من قبلنا).

ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته، لا بالنسبة إلى طول الزمان وقصره: كون أهل الأخبار متفقين على أن المدة التي بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم، دون المدة التي بين نبينا صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة؛ لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا: إن مدة الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة، وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سلمان، وقيل إنها دون ذلك، حتى جاء عن بعضهم أنها مائة وخمس وعشرون سنة، وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصرهما، للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر، ولا قائل به؛ فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته. والله سبحانه وتعالى أعلم" انتهى.

وهذه الأجوبة تحل الإشكال في كون عمر هذه الأمة أطول من عمر النصارى؛ لأن المقارنة في الحديث بين عمل اليهود والنصارى معا، أو عمل اليهود وحدهم، بالنسبة للمسلمين، أو أن المراد كثرة العمل وقلته، لا خصوص المدة، وما تشير إليه من عمر الأمة.

ويمكن أن يضاف إلى هذه الأجوبة: أن الله تعالى زاد في مدة بقاء هذه المدة، كما روى أحمد (1465)، وأبو داود (4350) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْم، قِيلَ لِسَعْدٍ: وَكَمْ نِصْفُ ذَلِكَ الْيَوْمِ؟ قَالَ: "خَمْسُ مِائَةِ سَنَةٍ" وصححه الألباني.

فيقال: كان عمر هذه الأمة نحوا من ربع اليوم، وكان عمر النصارى أطول من ذلك؛ لأن ما بين الظهر إلى العصر أطول مما بين العصر والمغرب، ثم زاد الله هذه الأمة، فصار عمرها كنصف يوم.

قال ابن رجب رحمه الله: " وإن صح هذا [أي حديث سعد]، فإنما يدل على أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجا لأمته تأخير نصف يوم، فأعطاه الله رجاءه، وزاده عليه، فإنا الآن في قريب رأس الثمانمائة من الهجرة" انتهى من "فتح الباري" (4/337).

 وعليه؛ فلا إشكال أن يكون مدة بقاء هذه الأمة أطول من مدة بقاء النصارى، ونحن الآن قد جاوزنا الألف وأربعمائة سنة.

ثانيا:

لا يصح تقدير عمر هذه الأمة، ولا عمر الدنيا من هذا الحديث ولا غيره؛ لأنه من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.

قال ابن رجب رحمه الله في "فتح الباري" (4/338): " وأخذُ بقاء ما بقي من الدنيا على التحديد من هذه النصوص لا يصح؛ فإن الله استأثر بعلم الساعة، ولم يُطلع عليه أحداً من خلقه، وهو من مفاتح الغيب الخمس التي لا يعلمها إلا الله؛ ولهذا قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل). وإنما خرج هذا من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وجه التقريب للساعة من غير تحديد لوقتها" انتهى.

وقال في (4/343): " مدة الماضي من الدنيا إلى بعثة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومدة الباقي منها إلى يوم القيامة: لا يعلمه على الحقيقة إلا الله عز وجل، وما يُذكر في ذلك فإنما هو ظنون لا تفيد علماً" انتهى.

لكن يؤخذ من الحديث أن عمر هذه الأمة يتجاوز ألف سنة، وهذا مشاهد.

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (4/449): " واستدل به على أن بقاء هذه الأمة يزيد على الألف؛ لأنه يقتضي أن مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين، [أي لأن اليهود عملوا إلى نصف النهار].

وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من ألفي سنة، ومدة النصارى من ذلك ستمائة، وقيل أقل، فتكون مدة المسلمين أكثر من ألف قطعا. وهذا أيضا واقع مشاهد، والحمد لله.

وتضمن الحديث: أن أجر النصارى كان أكثر من أجر اليهود؛ لأن اليهود عملوا نصف النهار بقيراط، والنصارى نحو ربع النهار بقيراط، ولعل ذلك باعتبار ما حصل لمن آمن من النصارى بموسى وعيسى، فحصل لهم تضعيف الأجر مرتين، بخلاف اليهود فإنهم لما بعث عيسى كفروا به" انتهى.

 وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (33689).

 والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب