الحمد لله.
أولا:
صفة الأصابع من الصفات الثابتة لله تعالى بنص السنة الصحيحة، فهي صفة تليق به وبكماله سبحانه وتعالى، من غير تشبيه ولا تمثيل.
روى البخاري (4811) ومسلم (2786) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: ( جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ).
قال ابن خزيمة رحمه الله تعالى:
" باب ذكر إمساك اللّه تبارك وتعالى اسمه وجلّ ثناؤه السّماوات والأرض وما عليها على أصابعه، جلّ ربّنا عن أن تكون أصابعه كأصابع خلقه، وعن أن يشبه شيءٌ من صفات ذاته صفات خلقه، وقد أجلّ اللّه قدر نبيّه صلى الله عليه وسلم عن أن يوصف الخالق البارئ بحضرته بما ليس من صفاته، فيسمعه فيضحك عنده، ويجعل بدَل وجوب النّكير والغضب على المتكلّم به ضحكا تبدو نواجذه، تصديقا وتعجّبا لقائله لا يَصِفُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه الصّفة مؤمن مصدّق برسالته " انتهى. "التوحيد" (1 / 178).
وروى مسلم (2654) عن أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيّ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ).
قال البغوي رحمه الله تعالى:
" والإصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عز وجل، وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل في صفات الله تعالى، كالنفس، والوجه والعين، واليد، والرجل، والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك، والفرح " انتهى. "شرح السنة" (1 / 168).
وظاهر بعض الروايات يشير إلى أن الأصابع صفة لكلتا يديه سبحانه وتعالى.
كما عند الإمام مسلم (2788) عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِقْسَمٍ، أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ كَيْفَ يَحْكِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ( يَأْخُذُ اللهُ عز وجل سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ فَيَقُولُ: أَنَا اللهُ، وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا، أَنَا الْمَلِكُ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ).
قال الشيخ عبد الرحمن البراك عن حديث ابن مسعود السابق:
" هذا الحديث يستدلّ به أهل السّنّة على إثبات الأصابع لله عزّ وجلّ، وأنّها من صفة يديه … " انتهى. "فتح الباري مع تعليقات الشيخ البَرّاك" (17/ 378).
ثانياً:
وأما القول بأن هذه الأصابع عدتها خمسة: فبعض أهل العلم يمسك عن ذكر العدد، وإن كان يثبت الأصابع لله جل جلاله، لكن يرى أن النص لم يحدها بعدد مخصوص، فنقف عند ما ورد به النص.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" وهل إذا أثبتنا الأصابع هل يلزم أن تكون خمسة في كل يد أو أقل أو أكثر؟
الجواب: لا يلزم، لكن الذي بلغنا خمسة أصابع، وذلك حينما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود : ( أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ ) فذكر خمسة.
لكن لا يلزم من عدم ذكر الخمسة [ لعل الصواب: لا يلزم من ذكر الخمسة ] ألا تزيد، فلهذا نقول: نثبت من عدد الأصابع ما ثبت لله، والباقي نسكت عنه، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، أن ما لم يرد فاسكت عنه، وما ورد فأثبته " انتهى. "شرح صحيح البخاري" (10 / 256).
وبعض أهل العلم يصرح بأنها خمس. وهذا هو أظهر القولين في المسألة، وهذا هو ظاهر حديث عبد الله بن مسعود المذكور.
وقد صرح بذلك جمع من أهل السنة، قديما وحديثا، ولا يعرف أحد من أئمة السنة صرح بخلاف ذلك، أو منع من إثبات العدد فيها.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: " قال أبي رحمه الله: جعل يحيى يشير بأصابعه، وأراني أبي كيف جعل يشير بإصبعه، يضع إصبعًا إصبعًا حتى أتى على آخرها". انتهى، من "الجامع لعلوم الإمام أحمد" (3/364).
وقال أبو طالب: سُئِل أبو عبد اللَّه عن حديث الحبر: يضع السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، يقول: إلا أشار بيده هكذا، أي: يشير.
فقال أبو عبد اللَّه: رأيت يحيى يحدث بهذا الحديث ويضع إصبعا إصبعا، ووضع أبو عبد اللَّه الإبهام على إصبعه الرابعة من أسفل إلى فوق على رأس كل إصبع. "إبطال التأويلات" 2/ 322، عن "الجامع" (3/366).
وممن صرح بالخمس أيضا: الإمام الدارمي، قال في رده على المريسي: " وَكَذَّبْتَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُود فِي خَمْسِ أَصَابِعَ، وَهُوَ أَجْوَدُ إِسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ الْأُصْبُعَيْنِ". انتهى، من "نقض الدارمي على المريسي" (1/ 371).
وفي "مسائل الإمام ابن باز" للشيخ أبي محمد عبد الله بن مانع:
" سألت شيخنا عن حديث إثبات الأصابع لله، هل هو للحصر، وأن الأصابع خمس؟
الجواب: نعم؛ لأن الأصابع استوعبت الخلائق؛ ( وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ ) " انتهى. "مسائل الإمام ابن باز" (المجموعة الأولى ص37).
وقال في تعليقاته على صحيح البخاري: "ظاهر السنة أن الأصابع خمسة» انتهى من "الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري" (3/ 414).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان، حفظه الله: "واليدان لها أصابع كما ثبت في الصحيحين، وكل يد لها خمسة أصابع كما ثبت ذلك". انتهى، من "شرح العقيدة الواسطية" (13/ 32 بترقيم الشاملة آليا).
وبه يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (333378)
والله أعلم.
تعليق