الحمد لله.
أولا:
حذف حرف الهاء من اسم "الله"، في مخاطبة الناس بعضهم البعض، كقوله: الحمد لله، أو لا والله، أو إن شاء الله، بإسقاط الهاء:
إن كان على وجه الاستهانة باسم الله، أو الانتقاص منه، فلا يجوز؛ لأن فيه تحريفا متعمدا لاسم الله تعالى الذي يجب تعظيمه، ويحرم الاستهانة به.
وإن كان جريا على العادة، وما نشأ عليه أهل اللسان، ولا يفهم من مثل ذلك استهانة بقدر اسم الله جل جلاله، ولا تحريف له، ولا يستهجنه أهل ذلك اللسان، برهم وفاجرهم= فالظاهر جوازه، وإن كان الأولى أن يأتي باسم الله كاملا.
وقد ورد في كلام بعض أهل العلم ذم من يحذف الألف التي قبل الهاء من اسم الله، مع أن ذلك حكي لغة.
قال الفيومي رحمه الله في "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" (1/ 19): " قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَبَعْضُ الْعَامَّةِ يَقُولُ: لَا وَاَللَّهِ، فَيَحْذِفُ الْأَلِفَ، وَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهَا فِي اللَّفْظِ، وَهَذَا كَمَا كَتَبُوا الرَّحْمَنَ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهَا فِي اللَّفْظِ.
وَاسْمُ اللَّهِ تَعَالَى يَجِلُّ أَنْ يُنْطَقَ بِهِ إلَّا عَلَى أَجْمَلِ الْوُجُوهِ.
قَالَ: وَقَدْ وَضَعَ بَعْضُ النَّاسِ بَيْتًا، حَذَفَ فِيهِ الْأَلِفَ، فَلَا جُزِيَ خَيْرًا، وَهُوَ خَطَأٌ، وَلَا يَعْرِفُ أَئِمَّةُ اللِّسَانِ هَذَا الْحَذْفَ" انتهى.
وقال أبو جعفر النحاس في "عمدة الكتاب " ص68: "فأما حذفك الألف من قولك: الله، ففيه خمسة أقوالٍ: منها أنه كتب على لغة من قال، أنشده أبو عبيدة:
قد جاء سيلٌ جاء من أمر الله … يحرد حرد الجنة المغله
والقول الثاني: أن الألف الأولى تكفي من الثانية.
والثالث: أنهم كرهوا أن يشبه النفي.
والرابع: أنه قد عرف معناه.
والخامس -وهو أحسنها-: أنهم حذفوا الألف لأنه اسمٌ مخصوصٌ، فلما لم يلتبس بغيره، حذفت منه الألف" انتهى.
ويؤخذ من كلام بعض الفقهاء الترخيص في عدم النطق بالهاء.
قال الطحطاوي في حاشيته على "مراقي الفلاح"، ص9 في صفة النطق بلا إله إلا الله: "وينبغي أن لا يطيل مد ألف "لا" جدا، وأن يقطع الهمزة من "إله" ومن "إلا" وأن يشدد اللام، وأن يفخم اللفظ المعظم اهـ. وينبغي أن يظهر الهاء من لفظ الجلالة" انتهى.
ثانيا:
أما العبادات، فإن الذكر الواجب كتكبيرة الإحرام، وقول سمع الله لمن حمده-على القول بوجوبه-والتكبير في الأذان، والتسمية على الذبيحة: لا يجزئ فيه حذف الهاء.
وفي انعقاد اليمين بقوله: والله، مع حذف الهاء، خلاف.
قال الطحطاوي في "حاشيته على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" في الفقه الحنفي (ص223) في شروط صحة تكبيرة الإحرام: "قوله: "الثالث عشر: أن لا يحذف الهاء من الجلالة" قال في الشرح المذكور: ... فإذا حذفه الحالف أو الذابح أو المكبر للصلاة، أو حذف الهاء من الجلالة: اختُلف في انعقاد يمينه، وحل ذبيحته، وصحة تحريمته؛ فلا يُترك ذلك؛ احتياطا " انتهى.
وقال اللبدي في "حاشيته على نيل المآرب" (1 / 47): " مسألة: يصح أذان من يَلْحَنُ، مع الكراهة، إن لم يُحِلِ المعنى.
فإن أحاله كقوله: "الله وَاكْبَرُ" و" أقبر" و"أشبر" و"أكبل" أو "يشحد أن لا إله إلا الله" أو "أسهد" بالسين المهملة، أو لم يبيّن الهاء من لفظ الجلالة، أو من "الصلاة" أو لم يبين الحاء من "الفلاح": فأذانه غير صحيح " انتهى.
وجاء في "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (1 / 630): " الثالث: إنما قدرنا بذكر اسم الله، إشارة إلى أن اليمين لا تنعقد بالنية، ولا بلفظ مباين مراد به اسم الله، كقوله: بزيد ما فعلت كذا، يريد به: بالله.
ومثل ذلك من أسقط الهاء من لفظ الجلالة.
ويظهر لي: إلا أن يسقطها عجزا … " انتهى.
ومراده: أن الذي يظهر انعقاد يمينه، إذا كان إنما يسقط الهاء عجزا عن نطقها، لعادة لسانه، فلا يطاوعه على تحرير النطق، دائما.
وجاء في " حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج" (8 / 178): " وبقي أيضا ما لو حذف الهاء من لفظ الجلالة، وقال "اللا" هل هي يمين، أو لا؟
فيه نظر، والأقرب الثاني، لأنها بدون الهاء ليست من أسمائه ولا صفاته.
ويحتمل الانعقاد عند نية اليمين، ويحمل على أنه حذف الهاء تخفيفا، والترخيم جائز في غير المنادى على قلة " انتهى.
ثالثا:
إن كان الإنسان يُسرّ بنطق الهاء، إذا كانت في نهاية الجملة- وهو الذي نظن أنه يحصل لكثير من الناطقين باللهجات-، كالمتكلم بجملة "ورحمة الله"، فيُرى أن الهاء تكون موجودة منطوقة لكن بنطق خفيف سرا، فهو في حكم الناطق بها.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: " وقال القاضي في "الجامعِ": لا تبْطل بترك شَدّة؛ ... والصّحيح الأوّل ...
قال: ولا يختلف المذهب، أنّه إذا ليّنها، ولم يحقّقها على الكمال، أنّه لا يعيد الصلاة؛ لأنّ ذلك لا يحيل المعنى، ويختلف باختلاف الناس. ولعلّه إنّما أراد في "الجامع" هذا المعنى، فيكون قوله مُتّفقا " انتهى. "المغني" (2 / 154).
رابعا:
القدر الواجب في السلام عند جمهور أهل العلم هو "السلام عليكم"، فتصح صلاته لو أسقط الهاء من اسم الجلالة؛ لأنه غير واجب.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (11 / 315 ): " وأقل ما يجزئ في التسليم عند الشافعية والحنابلة قوله: "السلام عليكم"... وأكمله "السلام عليكم ورحمة الله " يمينا وشمالا …
وأقل ما يجزئ في لفظ السلام مرتين عند الحنفية " السلام " دون قوله " عليكم ".
وأكمله، وهو السنة أن يقول: " السلام عليكم ورحمة الله " مرتين.
وتنقضي الصلاة بالسلام الأول عند الحنفية " انتهى.
والله أعلم.
تعليق