الحمد لله.
أولاً :
ليس من خلق المسلم السب ولا الشتم ولا قذف الأعراض ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِاللَّعَّانِ وَلا الطَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ ) رواه أحمد (3948) والترمذي (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ترك سب اليهودي المستحق للسب ، وعلل ذلك بأن الله لا يحب الفحش .
روى البخاري (6401) عن عائشة رضي الله عنها : أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : السَّامُ عَلَيْكَ . قَالَ : وَعَلَيْكُمْ . فَقَالَتْ عَائِشَةُ : السَّامُ عَلَيْكُمْ ، وَلَعَنَكُمْ اللَّهُ ، وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَهْلا يَا عَائِشَةُ ! عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ أَوْ الْفُحْشَ . قَالَتْ : أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا ؟ قَالَ : أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ ، وَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ .
وفي رواية لمسلم (2165) : ( فَفَطِنَتْ بِهِمْ عَائِشَةُ فَسَبَّتْهُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَهْ يَا عَائِشَةُ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يتعود لسانها بالفحش أو أنكر عليها الإفراط في السب " انتهى من فتح الباري (11/43) .
ثانياً :
الكافر لا يخلو من حالين :
إما أن يكون محارباً للمسلمين ، فهذا لا حرمة له .
وإما أن يكون معاهداً أو ذمياً ، فهو معصوم النفس والعرض والمال ، فلا يجوز الاعتداء عليه . وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتداء على الكافر المعصوم وظلمه بقوله : ( أَلا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا ، أَوْ انْتَقَصَهُ ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . رواه أبو داود (3052) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
( مُعَاهدًا ) : أَيْ : ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا .
( أَوْ اِنْتَقَصَهُ ) : أَيْ نَقَصَ حَقّه . وَقَالَ الطِّيبِيُّ : أَيْ : عَابَهُ .
( فَأَنَا حَجِيجه ) أَيْ خَصْمه وَمُحَاجّه وَمُغَالِبه بِإِظْهَارِ الْحِجَج عَلَيْهِ .
انتهى من "عون المعبود" .
وقال الصنعاني : في سبل السلام (2/663) عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ) قال :
" مَفْهُومِ قَوْلِهِ : (الْمُسْلِمِ) دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سَبِّ الْكَافِرِ , فَإِنْ كَانَ مُعَاهَدًا فَهُوَ أَذِيَّةٌ لَهُ , وَقَدْ نَهَى عَنْ أَذِيَّتِهِ فَلا يُعْمَلُ بِالْمَفْهُومِ فِي حَقِّهِ , وَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا جَازَ سَبُّهُ إذْ لا حُرْمَةَ لَهُ " انتهى .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (24/142) :
" سَبُّ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ مَعْصِيَةٌ , وَيُعَزَّرُ الْمُسْلِمُ إنْ سَبَّ الْكَافِرَ . قَالَ الشَّافِعِيَّةُ : سَوَاءٌ أَكَانَ حَيًّا , أَوْ مَيِّتًا , يَعْلَمُ مَوْتَهُ عَلَى الْكُفْرِ . وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ : التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى " انتهى .
وفيها أيضاً : (30/139) :
" فَلأَهْلِ الْعَهْدِ أَنْ يُؤَمَّنُوا عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ , وَعَلَى الإِمَامِ حِمَايَتُهُمْ مِنْ كُلِّ مَنْ أَرَادَ بِهِمْ سُوءًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَغَيْرِهِمْ , فَلا يُظْلَمُونَ فِي عَهْدِهِمْ وَلا يُؤْذَوْنَ " انتهى .
وإذا كان السب بالقذف بالزنى فإن قبحه أشد ، وقد نص العلماء رحمهم الله على تعزير من فعل ذلك .
انظر : "المغني" (9/48) ، "الفروع" (6/108) ، "الإنصاف" (10/203) ، "نصب الراية" (4/173) .
والحاصل أن من دافع عن عرض الكافر ، بمعنى أنه أنكر على من سبه بغير حق ، فلا شيء عليه ، بل هو مصيب ؛ فليس من شأن المسلم الطعن في الأعراض . وكذلك لو أرشده إلى ترك السب والبذاء ، فهو محسن مأجور إن شاء الله .
والله أعلم .
تعليق